الثواب والعقاب الروحانيان! وكيف تصور العامة ذلك حتى يرغبوا ويرهبوا! كلا بل لم تصور لهم الشريعة النصرانية من ذلك شيئا، غير أنهم يكونون في الآخرة كالملائكة، وهذا لا يفي بالترغيب التام، ولا ما ذكروه من العقاب الروحاني - وهو الظلمة وخبث النفس - كاف في الترهيب. والذي جاءت به شريعة الاسلام حسن لا زيادة عليه. انقضى كلام هذا الحكيم.
* * * فأما كون الاستغفار سببا لنزول القطر ودرور الرزق، فإن الآية بصريحها ناطقة به، لأنها أمر وجوابه، قال: " استغفروا ربكم إنه كان غفارا. يرسل السماء عليكم مدرار)، كما تقول: قم أكرمك، أي إن قمت أكرمتك، وعن عمر أنه خرج يستسقى، فما زاد على الاستغفار، فقيل له: ما رأيناك استسقيت! فقال: لقد استسقيت بمجاديح (1) السماء التي يستنزل بها المطر.
وعن الحسن أن رجلا شكا إليه الجدب، فقال: استغفر الله، فشكا آخر إليه الفقر، وآخر قلة النسل، وآخر قلة ريع أرضه، فأمرهم كلهم بالاستغفار، فقال له الربيع بن صبيح: رجال أتوك يشكون أبوابا، ويشكون أنواعا، فأمرتهم كلهم بالاستغفار، فتلا له الآية.
قوله: " استقبل توبته " أي استأنفها وجددها. واستقال خطيئته: طلب الإقالة منها والرحمة. وبادر منيته: سابق الموت قبل أن يدهمه.