فكذلك السماء والأرض أيام الجدب وانقطاع المطر وعدم الكلأ، ليس ما كان منهما بغضا لكم، ولا استدفاع ضرر يخاف منكم، بل طاعة الصانع الحكيم سبحانه فيما سخرهما له، وإذا كان كذلك فبالحري ألا نأمل السماء ولا الأرض وأن نجعل آمالنا معلقة بالملك الحق المدبر لهما، وأن نسترحمه وندعوه ونستغفره، لا كما كانت العرب في الجاهلية يقولون: مطرنا بنوء كذا، وقد سخط النوء الفلاني على بنى فلان فأمحلوا.
ثم ذكر عليه السلام أن الله تعالى يبتلى عباده عند الذنوب بتضييق الأرزاق عليهم، وحبس مطر السماء عنهم، وهذا الكلام مطابق للقواعد الكلامية، لان أصحابنا يذهبون إلى أن الغلاء قد يكون عقوبة على ذنب، وقد يكون لطفا للمكلفين في الواجبات العقلية وهو معنى قوله: " ليتوب تائب... " إلى آخر الكلمات. ويقلع: يكف ويمسك.
ثم ذكر أن الله سبحانه جعل الاستغفار سببا في درور الرزق، واستدل عليه بالآية التي أمر نوح عليه السلام فيها قومه بالاستغفار، يعنى التوبة عن الذنوب، وقدم إليهم الموعد بما هو واقع في نفوسهم، وأحب إليهم من الأمور الأجلة، فمناهم الفوائد العاجلة، ترغيبا في الايمان وبركاته، والطاعة ونتائجها، كما قال سبحانه للمسلمين: ﴿وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب﴾ (١) فوعدهم بمحبوب الأنفس الذي يرونه في العاجل عيانا ونقدا لا جزاء ونسيئة، وقال تعالى في موضع آخر: ﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض﴾ (٢)، وقال سبحانه: ﴿ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم﴾ (3)