سلفهم وإخوتهم وأحبائهم، ومناداتها على نفسها بأنها فاعلة بهم ما فعلت بأولئك من الفناء، وفراق المألوف.
قال: فدعوا غرورها لتحذيرها، وذلك لان جانب تحذيرها أولى بأن يعمل عليه من جانب غرورها، لان غرورها إنما هو بأمر سريع مع التصرم والانقضاء، وتحذيرها إنما هو لأمر جليل عظيم، فإن الفناء المعجل محسوس، وقد دل العقل والشرائع كافة على أن بعد ذلك الفناء سعادة وشقاوة، فينبغي للعاقل أن يحذر من تلك الشقاوة، ويرغب في تلك السعادة ولا سبيل إلى ذلك إلا برفض غرور الدنيا، على أنه لو لم يكن ذلك لكان الواجب على أهل اللب والبصيرة رفضها، لان الموجود منها خيال، فإنه أشبه شئ بأحلام المنام فالتمسك به والإخلاد إليه حمق.
والخنين: صوت يخرج من الانف عند البكاء، وأضافه إلى الأمة لان الإماء كثيرا ما يضربن فيبكين، ويسمع الخنين منهن، ولان الحرة تأنف من البكاء والخنين.
وزوى: قبض.
ثم ذكر أنه لا يضر المكلف فوات قسط من الدنيا إذا حفظ قائمة دينه، يعنى القيام بالواجبات والانتهاء عن المحظورات، ولا ينفعه حصول الدنيا كلها بعد تضييعه دينه، لان ابتياع لذة متناهية بلذة غير متناهية يخرج اللذة المتناهية من باب كونها نفعا، ويدخلها في باب المضار، فكيف إذا انضاف إلى عدم اللذة غير المتناهية حصول مضار وعقوبات غير متناهية، أعاذنا الله منها!
* * * (تم الجزء التاسع من شرح نهج البلاغة ويليه الجزء العاشر)