ومنها أن يستشعر من إنسان أنه سيذمه ويطول لسانه فيه، ويقبح حاله عند بعض الرؤساء، أو يشهد عليه بشهادة فيبادره قبل أن يقبح حاله، فيطعن فيه ليسقط أثر شهادته عليه. وقد يبتدئ بذكر بعض ما فيه صادقا ليكذب عليه بعد ذلك، فيروج كذبه بالصدق الأول.
ومنها أن ينسب إلى أمر فيريد التبرؤ منه، فيذكر الذي فعله، وكان من حقه أن يبرئ نفسه، ولا يذكر الذي فعله، لكنه إنما يذكر غيره تأكيدا لبراءة نفسه، وكيلا يكون تبرؤا مبتورا، وربما يعتذر بأن يقول: فلان فعله، وكنت شريكا في بعض الامر ليبرئ نفسه بعض البراءة.
ومنها المباهاة وحب الرياسة، مثل أن يقول: كلام فلان ركيك، ومعرفته بالفن الفلاني ناقصة، وغرضه إظهار فضله عليه.
ومنها الحسد وإرادة إسقاط قدر من يمدحه الناس بذكر مساوئه، لأنه يشق عليه ثناء الناس عليه، ولا يجد سبيلا إلى سد باب الثناء عليه إلا بذكر عيوبه.
ومنها اللعب والهزل والمطايبة وتزجية الوقت بالضحك والسخرية، فيذكر غيره بما يضحك الحاضرين على سبيل الهزء والمحاكاة.
* * * واعلم أن الذي يقوى في نفسي أن الغيبة لا تكون محرمة إلا إذا كانت على سبيل القصد إلى تنقص الانسان فقط وغض قدره ة فأما إذا خرجت مخرجا آخر، فليست بحرام، كمن يظلمه القاضي، ويأخذ الرشوة على إسقاط حقوقه، فإن له أن يذكر حاله للسلطان متظلما من حيف الحاكم عليه إذ لا يمكنه استيفاء حقوقه إلا بذلك، فقد قال صلى الله عليه وآله: " مطل الغنى ظلم "، وقال: " لي (1) الواجد يحل عقوبته وعرضه ".