فإن قلت: فهذا يناقض مذهب المعتزلة في قولهم بالواجبات عقلا، ولو لم تبعث الرسل!
قلت: صحة مذهبهم تقتضي أن تحمل عموم الألفاظ على أن المراد بها الخصوص، فيكون التأويل: لئلا يكون للناس على الله حجة فيما لم يدل العقل على وجوبه ولا قبحه، كالشرعيات، وكذلك: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا " على ما لم يكن العقل دليلا عليه حتى نبعث رسولا.
الإعذار: تقديم العذر. ثم قال: إن الله تعالى كشف الخلق بما تعبدهم به من الشرعيات على ألسنة الأنبياء: ولم يكن أمرهم خافيا عنه، فيحتاج إلى أن يكشفهم بذلك، ولكنه أراد ابتلاءهم واختبارهم، ليعلم أيهم أحسن عملا، فيعاقب المسئ ويثيب المحسن.
فإن قلت: الاشكال قائم، لأنه إذا كان يعلم أهم يحسن، وأيهم يسئ، فما فائدة الابتلاء؟ وهل هو إلا محض العبث!
قلت: فائدة الابتلاء إيصال نفع إلى زيد لم يكن ليصح إيصاله إليه إلا بواسطة هذا الابتلاء، وهو ما يقوله أصحابنا، إن الابتلاء بالثواب قبيح، والله تعالى يستحيل أن يفعل القبيح.
قوله: " وللعقاب بواء " أي مكافأة، قالت ليلى الأخيلية:
فإن تكن القتلى بواء فإنكم * فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر (1) وأبأت القاتل بالقتيل واستبأته أيضا، إذا قتلته به، وقد باء الرجل بصاحبه، أي قتل به