صلى الله عليه وسلم فأثبت المعاد على وجه محقق كامل، أكمل مما ذكره الأولان، فقال: إن البدن والنفس معا مبعوثان، ولكل منهما حظ في الثواب والعقاب.
وقد شرح الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا هذا الموضع في رسالة له في المعاد، تعرف " بالرسالة الأصحوبة " شرحا جيدا، فقال: إن الشريعة المحمدية أثبتت في القيامة رد النفس إلى البدن، وجعلت للمثاب والمعاقب ثوابا وعقابا بحسب البدن والنفس جميعا، فكان للمثاب لذات بدنية من حور عين وولدان مخلدين وفاكهة مما يشتهون، وكأس لا يصدعون عنها ولا ينزفون، وجنات تجرى من تحتها الأنهار، من لبن وعسل وخمر وماء زلال، وسرر وأرائك وخيام وقباب، فرشها من سندس وإستبرق، وما جرى مجرى ذلك. ولذات نفسانية من السرور ومشاهدة الملكوت والامن من العذاب والعلم اليقيني بدوام ما هم فيه، وأنه لا يتعقبه عدم ولا زوال، والخلو عن الأحزان والمخاوف. وللمعاقب عقاب بدني، وهو المقامع من الحديد، والسلاسل، والحريق والحميم والغسلين والصراخ والجلود التي كلما نضجت بدلوا جلودا غيرها، وعقاب نفساني من اللعن والخزي والخجل والندم والخوف الدائم واليأس من الفرج، والعلم اليقيني بدوام الأحوال السيئة التي هم عليها.
قال: فوقت الشريعة الحكمة حقها من الوعد الكامل، والوعيد الكامل، وبهما ينتظم الامر، وتقوم الملة، فأما النصارى وما ذهبوا إليه من أمر بعث الأبدان، ثم خلوها في الدار الآخرة من المطعم والملبس والمشرب والمنكح، فهو أرك ما ذهب إليه أرباب الشرائع وأسخفه، وذلك أنه إن كان السبب في البعث هو أن الانسان هو البدن، أو أن البدن شريك النفس في الأعمال الحسنة والسيئة، فوجب أن يبعث، فهذا القول بعينه إن أوجب ذلك، فإنه يوجب أن يثاب البدن، ويعاقب بالثواب والعقاب البدني المفهوم عند العالم، وإن كان الثواب والعقاب روحانيا فما الغرض في بعث الجسد؟ ثم ما ذلك