[موقف على من قتله عثمان] واعلم أن هذا الكلام يدل على أنه عليه السلام كان في نفسه عقاب الذين حصروا عثمان والاقتصاص ممن قتله، إن كان بقي ممن باشر قتله أحد، ولهذا قال: إني لست أجهل ما تعلمون، فاعترف بأنه عالم بوجوب ذلك، واعتذر بعدم التمكن كما ينبغي، وصدق عليه السلام، فإن أكثر أهل المدينة أجلبوا عليه، وكان من أهل مصر ومن الكوفة عالم عظيم حضروا من بلادهم، وطووا المسالك البعيدة لذلك، وانضم إليهم أعراب أجلاف من البادية، وكان الامر أمر جاهلية، كما قال عليه السلام، ولو حرك ساكنا لاختلف الناس واضطربوا، فقوم يقولون: أصاب، وقوم يقولون: أخطأ، وقوم لا يحكمون بصواب ولا خطأ. بل يتوقفون، ولا يأمن - لو شرع في عقوبة الناس والقبض عليهم - من تجدد فتنة أخرى كالأولى وأعظم، فكان الأصوب في التدبير، والذي يوجبه الشرع والعقل الامساك إلى حين سكون الفتنة، وتفرق تلك الشعوب وعود كل قوم إلى بلادهم، وكان عليه السلام يؤمل أن يطيعه معاوية وغيره، وأن يحضر بنو عثمان عنده يطالبون بدم أبيهم ويعينون قوما بأعيانهم، بعضهم للقتل، وبعضهم للحصار، وبعضهم للتسور، كما جرت عادة المتظلمين إلى الامام والقاضي، فحينئذ يتمكن من العمل بحكم الله تعالى. فلم يقع الامر بموجب ذلك، وعصى معاوية وأهل الشام، والتجأ ورثة عثمان إليه، وفارقوا حوزة أمير المؤمنين عليه السلام، ولم يطلبوا القصاص طلبا شرعيا، وإنما طلبوه مغالبة، وجعلها معاوية عصبية الجاهلية، ولم يأت أحد منهم الامر من بابه، وقبل ذلك ما كان من أمر طلحة والزبير، ونقضهما البيعة، ونهبهما أموال المسلمين بالبصرة وقتلهما الصالحين من أهلها، وجرت أمور كلها تمنع الامام عن التصدي للقصاص، واعتماد ما يجب اعتماده لو كان الامر وقع على القاعدة الصحيحة من المطالبة بذلك على وجه السكون والحكومة،
(٢٩٣)