كان أحدهما قائلا والاخر مستمعا، فالمستمع لا يخرج من إثم الغيبة إلا بأن ينكر بلسانه، فإن خاف فبقلبه، وإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام آخر لزمه ذلك، فإن قال بلسانه: اسكت وهو مريد للغيبة بقلبه، فذلك نفاق، ولا يخرجه عن الاثم إلا أن يكرهه بقلبه، ولا يكفي أن يشير باليد، أي اكفف، أو بالحاجب والعين، فإن ذلك استحقار للمذكور، بل ينبغي أن يذب عنه صريحا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من أذل عنده مؤمن وهو يقدر على أن ينصره فلم ينصره، أذله الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق ".
* * * [فصل في الأسباب الباعثة على الغيبة] واعلم أن الأسباب الباعثة على الغيبة أمور:
منها شفاء الغيظ، وذلك أن يجرى من الانسان سبب يغضب به عليه آخر، فإذا هاج غضبه تشفى بذكر مساوئه، وسبق إليها لسانه بالطبع إن لم يكن هناك دين وازع، وقد يمنع تشفى الغيظ عند الغضب، فيحتقن الغضب في الباطن، فيصير حقدا ثابتا، فيكون سببا دائما لذكر المساوئ.
ومنها موافقة الاقران ومساعدتهم على الكلام، فإنهم إذا اجتمعوا ربما أخذوا يتفكهون بذكر الاعراض، فيرى أنه لو أنكر أو قطع المجلس استثقلوه، ونفروا عنه فيساعدهم، ويرى ذلك من حسن المعاشرة، ويظن أنه مجاملة في الصحبة، وقد يغضب رفقاؤه من أمر فيحتاج إلى أن يغضب لغضبهم، إظهارا للمساهمة في السراء والضراء، فيخوض معهم في ذكر العيوب والمساوي.