أكثر من الدنيا. وفى كلامه المنقول عنه ما يؤكد ما قلناه، وهو قوله: " إن عشت فأنا ولي دمى، وإن مت فضربة بضربة ".
وليس قوله عليه السلام: " وأنا اليوم عبرة لكم، وغدا مفارقكم "، وما يجرى مجراه من ألفاظ الفصل بناقض (1) لما قلناه، وذلك لأنه لا يعنى غدا بعينه، بل ما يستقبل من الزمان، كما يقول الانسان الصحيح: أنا غدا ميت، فما لي أحرص على الدنيا! ولان الانسان قد يقول في مرضه الشديد لأهله وولده: ودعتكم وأنا مفارقكم، وسوف يخلو منزلي منى، وتتأسفون على فراقي، وتعرفون موضعي بعدي، كله على غلبة الظن، وقد يقصد الصالحون به العظة والاعتبار وجذب السامعين إلى جانب التقوى، وردعهم عن الهوى وحب الدنيا.
فإن قلت: فما تصنع بقوله عليه السلام لابن ملجم:
أريد حباءه ويريد قتلى * عذيرك من خليلك من مراد (2) وقول الخلص من شيعته: فهلا تقتله! فقال: فكيف أقتل قاتلي! وتارة قال: إنه لم يقتلني، فكيف (3) أقتل من لم يقتل! وكيف قال في البط الصائح خلفه في المسجد، ليلة ضربه ابن ملجم: دعوهن، فإنهن نوائح، وكيف قال تلك الليلة: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكوت إليه، وقلت: ما لقيت من أمتك من الأود واللدد! فقال: ادع الله عليهم، فقلت: اللهم أبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شرا منى! وكيف قال: إني لا أقتل محاربا، وإنما أقتل فتكا وغيلة، يقتلني رجل خامل الذكر. وقد جاء عنه عليه السلام من هذا الباب آثار كثيرة.
قلت: كل هذا لا يدل على أنه كان يعلم الامر مفصلا من جميع الوجوه، ألا ترى أنه