والتي هي أقوم: يعنى الحالة والخلة التي اتباعها أقوم، وهذا من الألفاظ القرآنية، قال سبحانه: ﴿إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم﴾ (1). والمراد بتلك الحالة المعرفة بالله وتوحيده ووعد له.
ثم نهى عليه السلام عن التكبر والتعظم وقال: إن رفعة القوم الذين يعرفون عظمة الله أن يتواضعوا له. وما هاهنا، بمعنى أي شئ ومن روى بالنصب جعلها زائدة.
وقد ورد في ذم التعظم والتكبر ما يطول استقصاؤه، وهو مذموم على العباد، فكيف بمن يتعظم على الخالق سبحانه وإنه لمن الهالكين! وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لما افتخر: " أنا سيد ولد آدم "، ثم قال: " ولا فخر "، فجهر بلفظة الافتخار، ثم أسقط استطالة الكبر، وإنما جهر بما جهر به، لأنه أقامه مقام شكر النعمة والتحدث بها، وفى الحديث المرفوع عنه صلى الله عليه وآله: " إن الله قد أذهب عنكم حمية الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس بنو آدم وآدم من تراب، مؤمن تقى، وفاجر شقي. لينتهين أقوام يفخرون برجال، إنما هم فحم من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من جعلان تدفع النتن بأنفها ".
قوله: " واعلموا أنكم لن تعرفوا الرشد حتى تعرفوا الذي تركه "، فيه تنبيه على أنه يجب البراءة من أهل الضلال، وهو قول أصحابنا جميعهم، فإنهم بين مكفر لمن خالف أصول التوحيد والعدل - وهم الأكثرون - أو مفسق، وهم الأقلون، وليس أحد منهم معذورا عند أصحابنا وان ضل بعد النظر، كمالا تعذر اليهود والنصارى إذا ضلوا بعد النظر.
ثم قال عليه السلام: " فالتمسوا ذلك عند أهله "، هذا كناية عنه عليه السلام، وكثيرا ما يسلك هذا المسلك، ويعرض هذا التعريض، وهو الصادق الأمين العارف بأسرار الإلهية.