وداعي لكم وداع امرئ مرصد للتلاقي! غدا ترون أيامي، ويكشف لكم عن سرائري، وتعرفونني بعد خلو مكاني، وقيام غيري مقامي.
* * * الشرح:
أطردت الرجل، إذا أمرت بإخراجه وطرده، وطردته إذا نفيته وأخرجته، فالإطراد أدل على العز والقهر من الطرد، وكأنه عليه السلام جعل الأيام أشخاصا يأمر بإخراجهم وإبعادهم عنه، أي ما زلت أبحث عن كيفية قتلى، وأي وقت يكون بعينه، وفى أي أرض يكون، يوما يوما، فإذا لم أجده في اليوم أطردته واستقبلت غده، فأبحث فيه أيضا فلا أعلم، فأبعده وأطرده، وأستأنف يوما آخر، هكذا حتى وقع المقدور. وهذا الكلام يدل على أنه لم يكن يعرف حال قتله معرفة مفصلة من جميع الوجوه، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله أعلمه بذلك علما مجملا، لأنه قد ثبت أنه صلى الله عليه وآله قال له:
" ستضرب على هذه - وأشار إلى هامته - فتخضب منها هذه - وأشار إلى لحيته "، وثبت أنه صلى الله عليه وآله قال له: " أتعلم من أشقى الأولين "؟ قال: نعم، عاقر الناقة، فقال له: " أتعلم من أشقى الآخرين "؟ قال: لا، قال: " من يضربك هاهنا، فيخضب هذه ".
وكلام أمير المؤمنين عليه السلام يدل على أنه بعد ضرب ابن ملجم له لا يقطع على أنه يموت من ضربته، ألا تراه يقول: إن ثبتت الوطأة في هذه المزلة فذاك، وإن تدحض فإنما كنا في أفياء أغصان، ومهاب رياح، أي إن سلمت فذاك الذي تطلبونه، يخاطب أهله وأولاده، ولا ينبغي أن يقال: " فذاك ما طلبه "، لأنه عليه السلام كان يطلب الآخرة.