ليس في الاخبار والآثار ما يدل على الوقت الذي يقتل فيه بعينه، ولا على المكان الذي يقتل فيه بعينه! وأما ابن ملجم، فمن الجائز أن يكون علم أنه هو الذي يقتله، ولم يعلم علما محققا أن هذه الضربة تزهق نفسه الشريفة منها، بل قد كان يجوز أن يبل ويفيق منها، ثم يكون قتله فيما بعد على يد ابن ملجم، وإن طال الأمد. وليس هذا بمستحيل، وقد وقع مثله، فإن عبد الملك جرح عمرو بن سعيد الأشدق في أيام معاوية على منافرة كانت بينهما فعفا عمرو عنه، ثم كان من القضاء والقدر أن عبد الملك قتل عمرا أيضا بيده ذبحا، كما تذبح الشاة.
وأما قوله في البط: " دعوهن فإنهن نوائح " فلعله علم أنه تلك الليلة يصاب ويجرح، وإن لم يعلم أنه يموت منه، والنوائح قد ينحن على المقتول وقد ينحن على المجروح، والمنام والدعاء لا يدل على العلم بالوقت بعينه، ولا يدل على أن إجابة دعائه تكون على الفور لا محالة.
* * * ثم نعود إلى الشرح.
أما قوله: " كل امرئ لاق ما يفر منه في فراره "، أي إذا كان مقدورا، وإلا فقد رأينا من يفر من الشئ ويسلم، لأنه لم يقدر، وهذا من قوله تعالى: " ولو كنتم في بروج مشيدة) (١)، ﴿لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم﴾ (٢) ومن قوله تعالى: ﴿قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم﴾ (3)، وفى القرآن العزيز مثل هذا كثير.
قوله: " والأجل مساق النفس " أي الامر الذي تساق إليه، وتنتهي عنده، وتقف إذا بلغته فلا يبقى له حينئذ أكله في الدنيا.