يستضاء بهما. وخلاكم ذم: كلمة جارية مجرى المثل، معناها: ولا ذم عليكم، فقد أعذرتم.
وذم، مرفوع بالفاعلية، معناه: عداكم وسقط عنكم.
فإن قلت: إذا لم يشركوا بالله ولم يضيعوا سنة محمد صلى الله عليه وآله فقد قاموا بكل ما يجب، وانتهوا عن كل ما يقبح، فأي حاجة له إلى أن يستثنى ويقول: " ما لم تشردوا "، وإنما كان يحتاج إلى هذه اللفظة لو قال: وصيتي إليكم أن توحدوا الله، وتؤمنوا بنبوة محمد صلى الله عليه وآله، كان حينئذ يحتاج إلى قوله: " ما لم تشردوا " ويكون مراده بها فعل الواجبات، وتجنب المقبحات، لأنه ليس في الاقرار بالوحدانية والرسالة العمل، بل العمل خارج عن ذلك، فوجب إذا أوصى أن يوصى بالاعتقاد والعمل، كما قال عمر لأبي بكر في واقعة أهل الردة: كيف تقاتلهم وهم مقرون بالشهادتين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أمرت بأن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله "، فقال أبو بكر:
أنه قال تتمة " هذا فإذا هم قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها " وأداء الزكاة من حقها!
قلت: مراده بقوله: " ما لم تشردوا " ما لم ترجعوا عن ذلك فكأنه قال: خلاكم ذم إن وحدتم الله واتبعتم سنة رسوله، ودمتم على ذلك ولا شبهة أن هذا الكلام منتظم، وأن اللفظتين الأوليين ليستا بمغنيتين عن اللفظة الثالثة (١) وبتقدير أن يغنيا عنه، فإن في ذكره مزيد تأكيد وإيضاح غير موجودين لو لم يذكر، وهذا كقوله تعالى: ﴿ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون﴾ (2)، وليس لقائل أن يقول: من لا يخشى الله لا يكون مطيعا لله والرسول، وأي حاجة به إلى ذكر ما قد أغنى اللفظ الأول عنه!
قوله: " حمل كل امرئ مجهوده، وخفف عن الجهلة "، هذا كلام متصل بما قبله،