وإن كانت شريرة رديئة الجوهر فهي الشياطين، فالملائكة عند هؤلاء محدثون، وعندهم أن هذه النفوس تساعد نفوسا أخرى متعلقة بتدبير الأبدان، إما على الخير أو على الشر، فما ينسب في الكتب الإلهية أن إغواء الشياطين للناس وإضلالهم، فالمراد به تلك النفوس الشريرة، وما ينسب فيها إلى إعانة الملائكة لهم على الخير والصلاح، فالمراد به تلك النفوس الخيرة.
* * * البحث السابع في إبليس، أهو من الملائكة أوليس منها، قال شيخنا أبو عثمان وجماعة من أصحابنا: إنه من الملائكة، ولذلك استثناه الله تعالى، فقال: ﴿فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس﴾ (1).
وقال قوم: إنه كان من الملائكة بدلالة هذه الآية، لكن الله مسخه حيث خالف الامر، فهو بعد المسخ خارج عن الملائكة، وقد كان قبل ذلك ملكا، قالوا: ومعنى قوله: (كان من الجن) أي من خزان الجنة. وروى ذلك عن ابن عباس، قالوا:
ويحمل على معناه أنه صار من الجن، فيكون (كان) بمعنى (صار) كقوله تعالى: (كيف نكلم من كان في المهد صبيا) (2) أي من صار، لأنها لو كانت (كان) على حقيقتها، لوجب ألا يكلم بعضهم بعضا، لأنهم كانوا صبيانا في المهود.
قالوا: ومعنى صيرورته من الجن صيرورته ضالا، كما أن الجن ضالون، لان الكفار بعضهم من بعض، كما قال تعالى: (والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض) (3)