البحث الثاني في بنية الملائكة، وهيئة تركيبهم، قال أصحابنا المتكلمون: إن الملائكة أجسام لطاف، وليسوا من لحم ودم وعظام، كما خلق البشر من هذه الأشياء، وقال أبو حفص المعود القرينسي من أصحابنا: إن الملائكة من أجسام من لحم وعظم: إنه لا فرق بينهم وبين البشر، وإنما لم يروا لبعد المسافة بيننا وبينهم.
وقد تبعه على هذا القول جماعة من معتزلة ما وراء النهر، وهي مقالة ضعيفة لان القرآن يشهد بخلافه في قوله: (ورسلنا لديهم يكتبون) (١) وقوله: ﴿إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد﴾ (٢)، فلو كانوا أجساما كثيفة كأجسامنا لرأيناهم.
* * * البحث الثالث في تكليف الملائكة، حكى عن قوم من الحشوية أنهم يقولون: إن الملائكة مضطرون إلى جميع أفعالهم، وليسوا مكلفين.
وقال جمهور أهل النظر: إنهم مكلفون.
وحكى عن أبي إسحاق النظام، أنه قال: إن قوما من المعتزلة قالوا: إنهم جبلوا على الطاعة لمخالفة خلقهم خلقة المكلفين، وأنهم قالوا: لو كانوا مكلفين لم يؤمن أن يعصوا فيما أمروا به، وقد قال تعالى: ﴿لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾ (3).
وقال قوم: إن أكثر الملائكة مكلفون، وأن فيهم من ليس بمكلف بل هو مسخر للملائكة المكلفين، كما أن الحيوانات ما هو غير مكلف بل هو مسخر للبشر ومخلوق لمصالحهم.
قالوا: ولا ننكر أن يكون الملائكة الذين ذكر منهم أنهم غلظ الأجسام وعظم الخلق والتركيب بحيث تبلغ أقدامهم إلى قرار الأرض، قد جعلوا عمدا للسموات والأرض، فهم