بين الجو وبينها، وأعد الهواء متنسما لساكنها، وأخرج إليها أهلها على تمام مرافقها.
ثم لم يدع جرز الأرض التي تقصر مياه العيون عن روابيها، ولا تجد جداول الأنهار ذريعة إلى بلوغها، حتى أنشأ لها ناشئة سحاب تحيى مواتها، وتستخرج نباتها. ألف غمامها بعد افتراق لمعه، وتباين قزعه، حتى إذا تمخضت لجة المزن فيه، والتمع برقه في كففه، ولم ينم وميضه في كنهور ربابه، ومتراكم سحابه، أرسله سحا متداركا، قد أسف هيدبه، يمريه الجنوب درر أهاضيبه، ودفع شآبيبه.
فلما ألقت السحاب برك بوانيها، وبعاع ما استقلت به من العبء المحمول عليها، أخرج به من هوامد الأرض النبات، ومن زعر الجبال الأعشاب، فهي تبهج بزينة رياضها، وتزدهي بما ألبسته من ريط أزاهيرها، وحلية ما سمطت به من ناضر أنوارها، وجعل ذلك بلاغا للأنام، ورزقا للأنعام، وخرق الفجاج في آفاقها، وأقام المنار للسالكين على جواد طرقها.
* * * الشرح:
كبس الأرض، أي أدخلها في الماء بقوة واعتماد شديد، ويقال لضرب من التمر:
الكبيس، لأنه يكبس حتى يتراص. والمور: مصدر (مار) أي ذهب وجاء.
ومستفحلة: هائجة هيجان الفحول. واستفحل الامر: تفاقم. واشتد. وزاخرة، زخر الماء أي امتد جدا وارتفع.
والأواذي: جمع آذى، وهو الموج. وتصطفق: يضرب بعضها بعضا. والأثباج هاهنا: