المباركة دون غيرها، ولا عجب فقد ورد في حق الشهداء نحو ذلك في قوله تعالى: ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾ (1).
وعلى الوجه الأول لو أن محتفرا احتفر أجداثهم لوجد الأبدان فيها، وإن لم يعلم أن أصول تلك البنى قد انتزعت منها ونقلت إلى الرفيق الأعلى، وهذا الوجه لا يحتاج إلى تقدير ما قدرناه أولا من الحذف، لان الجسد يبلى في القبر إلا قدر ما انتزع منه ونقل إلى محل القدس، وكذلك أيضا يصدق على الجسد أنه ميت، وإن كان أصل بنيته لم يمت، وقد ورد في الخبر الصحيح: (أن أرواح الشهداء من المؤمنين في حواصل طيور خضر تدور في أفناء الجنان، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش)، فإذا جاء هذا في الشهداء فما ظنك بموالي الشهداء وساداتهم!
فإن قلت: فهل يجوز أن يتأول كلامه، فيقال: لعله أراد بقاء الذكر والصيت؟
قلت. إنه لبعيد، لان غيرهم يشركهم في ذلك، ولأنه أخرج الكلام مخرج المستغرب المستعظم له.
فإن قلت: فهل يمكن أن يقال: إن الضمير يعود إلى النبي صلى الله عليه وآله، لأنه قد ذكره في قوله: (خاتم النبيين) فيكون التقدير: أنه يموت من مات منا والنبي صلى الله عليه وآله ليس بميت، ويبلى من بلى منا والنبي ليس ببال.
قلت: هذا أبعد من الأول، لأنه لو أراد ذلك لقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لا تبليه الأرض، وإنه الان حي، ولم يأت بهذا الكلام الموهم، ولأنه في سياق تعظيم العترة وتبجيل أمرها، وفخره بنفسه وتمدحه بخصائصه ومزاياه، فلا يجوز أن يدخل في غضون ذلك ما ليس منه.