تجد المباحث الدقيقة في التوحيد والعدل، مبثوثة عنه في فرش كلامه وخطبه، ولا تجد في كلام أحد من الصحابة، والتابعين كلمة واحدة من ذلك، ولا يتصورونه، ولو فهموه لم يفهموه، وأنى للعرب ذلك!
ولهذا انتسب المتكلمون الذين لججوا في بحار المعقولات، إليه خاصة دون غيره، وسموه أستاذهم ورئيسهم، واجتذبته كل فرقة من الفرق إلى نفسها، ألا ترى أن أصحابنا ينتمون إلى واصل بن عطاء، وواصل تلميذ أبى هاشم بن محمد بن الحنفية، وأبو هاشم تلميذ أبيه محمد، ومحمد تلميذ أبيه علي عليه السلام.
فأما الشيعة من الامامية والزيدية والكيسانية، فانتماؤهم إليه ظاهر.
وأما الأشعرية فإنهم بأخرة ينتمون إليه أيضا، لان أبا الحسن الأشعري تلميذ شيخنا أبى على رحمه الله تعالى، وأبو علي تلميذ أبى يعقوب الشحام، وأبو يعقوب تلميذ أبى الهذيل، وأبو الهذيل تلميذ أبى عثمان الطويل، وأبو عثمان الطويل تلميذ واصل بن عطاء، فعاد الامر إلى أن الأشعرية إلى علي عليه السلام.
وأما الكرامية فإن ابن الهيصم ذكر في كتاب المقالات أن أصل مقالتهم وعقيدتهم تنتهي إلى علي عليه السلام من طريقين:
أحدهما: بأنهم يسندون اعتقادهم عن شيخ بعد شيخ، إلى أن ينتهى إلى سفيان الثوري، ثم قال: وسفيان الثوري من الزيدية، ثم سأل نفسه فقال: إذا كان شيخكم الأكبر الذي تنتمون إليه كان زيديا، فما بالكم لا تكونون زيدية؟ وأجاب بأن سفيان الثوري رحمه الله تعالى، وإن أشهر عنه الزيدية، إلا أن تزيده إنما كان عبارة عن موالاة أهل البيت، وإنكار ما كان بنو أمية عليه من الظلم، وإجلال زيد بن علي وتعظيمه، وتصوينه في أحكامه وأحواله، ولم ينقل عن سفيان الثوري أنه طعن في أحد من الصحابة.