وقوله (فهو من معادن دينه وأوتاد أرضه)، معادن دينه: الذين يقتبس الدين منهم، كمعادن الذهب والفضة، وهي الأرضون التي يلتقط ذلك منها، وأوتاد أرضه: هم الذين لولاهم لمادت الأرض وارتجت بأهلها، وهذا من باب الاستعارة الفصيحة، وأهل هذا العلم يقولون: أوتاد الأرض جماعة من الصالحين، ولهم في الأوتاد والابدال والأقطاب كلام مشهور في كتبهم.
وسادس عشرها:. ن يكون قد ألزم نفسه العدل، والعدالة: ملكة تصدر بها عن النفس الافعال الفاضلة خلقا لا تخلقا.
وأقسام العدالة ثلاثة، هي الأصول وما عداها من الفضائل فروع عليها:
الأولى الشجاعة، ويدخل فيها السخاء لأنه شجاعة وتهوين للمال، كما أن الشجاعة الأصلية تهوين للنفس، فالشجاع في الحرب جواد بنفسه، والجواد بالمال شجاع في إنفاقه، ولهذا قال الطائي:
أيقنت أن من السماح شجاعة * تدمى وأن من الشجاعة جودا (1) والثانية: الفقه، ويدخل فيها القناعة والزهد والعزلة.
والثالثة: الحكمة، وهي أشرفها.
ولم تحصل العدالة الكاملة لأحد من البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا لهذا الرجل، ومن أنصف علم صحة ذلك، فإن شجاعته وجوده، وعفته وقناعته وزهده، يضرب بها الأمثال.
وأما الحكمة والبحث في الأمور الإلهية، فلم يكن من فن أحد من العرب، ولا نقل في جهاد أكابرهم وأصاغرهم شئ من ذلك أصلا، وهذا فن كانت اليونان وأوائل الحكماء وأساطين الحكمة، ينفردون به، وأول من خاض فيه من العرب علي عليه السلام، ولهذا