وهناك طبقة أخرى يذكرونها، وهي أن يسلب عن نفسه أيضا، فلا يكون له شعور بها أصلا، وإنما يكون شاعرا بالقيوم الأول سبحانه لا غير، وهذه درجة الاتحاد، بأن تصير الذاتان ذاتا واحدة.
وهذا قول قوم من الأوائل ومن المتأخرين أيضا، وهو مقام صعب، لا تثبت العقول لتصوره واكتناهه.
* * * واعلم: أن هذه الصفات والشروط والنعوت التي ذكرها في شرح حال العارف، إنما يعنى بها نفسه عليه السلام، وهو من الكلام الذي له ظاهر وباطن، فظاهره أن يشرح حال العارف المطلق، وباطنه أن يشرح حال عارف معين، وهو نفسه عليه السلام. وسيأتي في آخر الخطبة ما يدل على ذلك.
ونحن نذكر الصفات التي أشار عليه السلام إليها واحدة واحدة:
فأولها: أن يكون عبدا أعانه الله على نفسه، ومعنى ذلك أن يخصه بألطاف، يختار عندها الحسن ويتجنب القبيح، فكأنه أقام النفس في مقام العدو، وأقام الألطاف مقام المعونة التي يمده الله سبحانه بها، فيكسر عادية العدو المذكور، وبهذا الاعتبار سمى قوم من المتكلمين اللطف عونا.
وثانيها: أن يستشعر الحزن، أي يحزن على الأيام الماضية، أن لم يكن اكتسب فيها من موجبات الاختصاص أضعاف ما اكتسبه.
وثالثها: أن يتجلبب الخوف، أي يخاف من الاعراض عنه، بأن يصدر عنه ما يمحوه من جريدة المخلصين.
ورابعها: أن يعد القرى لضعيف المنية، وذلك بإقامة وظائف العبادة.