شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ١٠
وقد يقع الاخبار عن الغيوب لأصحاب زجر الطير والبهائم، كما يحكى عن بنى لهب في الجاهلية (1).
وقد يقع الاخبار عن الغيوب للقافة، كما يحكى عن بنى مدلج (2).
وقد يخبر أرباب التبخيرات وأرباب السحر والطلسمات بالمغيبات. وقد يقع الاخبار عن الغيوب لأرباب النفس الناطقة القوية الصافية التي تتصل مادتها الروحانية على ما تقوله الفلاسفة، وقد يقع الاخبار عن الغيوب بطريق المنامات الصادقة، على ما رآه أكثر الناس، وقد وردت الشريعة نصا به.
وقد يقع الاخبار عن الغيوب بأمر صناعي يشبه الطبيعي، كما رأيناه عن أبي البيان وابنه.
وقد يقع الاخبار عن الغيوب بواسطة إعلام ذلك الغيب إنسانا آخر لنفسه بنفس ذلك المخبر اتحاد أو كالاتحاد، وذلك كما يحكى أبو البركات بن ملكا الطبيب في كتاب ،، المعتبر،، (3) قال: والمرأة العمياء التي رأيناها ببغداد، وتكررت مشاهدتنا لها منذ مد ة مديدة، قدرها ما يقارب ثلاثين سنة، وهي على ذلك إلى الآن تعرض عليها الخبايا، فتدل عليها بأنواعها وأشكالها ومقاديرها، وأعدادها، قريبها ومألوفها، دقيقها

(1) الزجر: الاستدلال بأصوات الحيوانات وحركاتها وسائر أحوالها على الحوادث واستعلام ما غاب عنهم.
وبنو لهب: حي في الأزد، كانوا أزجر العرب.
(2) القيافة قسمان: قيافة الأثر، ويقال لها العيافة، وقيافة البشر، أما العيافة فهو علم باحث عن تتبع آثار الاقدام والأخفاف والحوافر في المقابلة للأثر، حتى لقد روى أن بعضهم كان يفرق بين أثر قدم الشاب والشيخ وقدم الرجل والمرأة، والبكر والثيب. أما قيافة البشر فهي الاستدلال بهيئات أعضاء الشخصين على المشاركة والاتحاد بينهما في النسب والولادة وسائر أحوالهما وأخلاقهما وكان بنو مدلج، وهم بطن في، كنانة، من أعلم العرب في قيافة البشر.
(3) هو كتاب المعتبر في المنطق، لأبي البركات هبة الله بن ملكا البغدادي، المتوفى سنة 547، ذكره، صاحب كشف الظنون.
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»
الفهرست