وروى أصحابنا في كتب المقالات أنه لما حرقهم صاحوا إليه الآن ظهر لنا ظهورا بينا أنك أنت الاله، لان ابن عمك الذي أرسلته قال: (لا يعذب بالنار إلا رب النار).
روى أبو العباس، عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي (1) عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه ومشيخته، ان عليا مر بهم وهم يأكلون في شهر رمضان نهارا، فقال:
أسفر أم مرضى؟ قالوا: ولا واحدة منهما قال: أفمن أهل الكتاب أنتم؟ قالوا: لا، قال: فما بال الاكل في شهر رمضان نهارا! قالوا: أنت أنت! لم يزيدوه على ذلك، ففهم مرادهم، فنزل عن فرسه، فالصق خده بالتراب، ثم قال ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله، فاتقوا الله، وارجعوا إلى الاسلام، فأبوا فدعاهم مرارا، فأقاموا على أمرهم، فنهض عنهم، ثم قال: شدوهم وثاقا، وعلى بالفعلة والنار والحطب، ثم أمر بحفر بئرين، فحفرتا، فجعل أحداهما سربا (2) والآخر مكشوفة، وألقى الحطب في المكشوفة، وفتح بينهما فتحا، وألقى النار في الحطب، فدخن عليهم، وجعل يهتف بهم، ويناشدهم:
ارجعوا إلى الاسلام، فأبوا، فأمر بالحطب والنار، وألقى عليهم، فاحترقوا، فقال الشاعر:
لترم بي المنية حيث شاءت * إذا لم ترم بي في الحفرتين إذا ما حشتا حطبا بنار (3) * فذاك الموت نقدا غير دين قال: فلم يبرح واقفا عليهم حتى صاروا حمما.
قال أبو العباس ثم إن جماعة من أصحاب على، منهم عبد الله بن عباس، شفعوا في عبد الله بن سبا خاصة، وقالوا: يا أمير المؤمنين، إنه قد تاب فاعف عنه، فأطلقه بعد أن اشترط عليه ألا يقيم بالكوفة، فقال: أين أهب؟ قال: المدائن، فنفاه إلى المدائن،