خص الغراب بذلك لحدة نظره، أي فكيف غيره.
ومما جاء في تحسين اللفظ ما روى أن المنصور كان في بستان داره والربيع بين يديه، فقال له: ما هذه الشجرة فقال: (وفاق) يا أمير المؤمنين، وكانت شجرة خلاف، فاستحسن منه ذلك.
ومثل هذا استحسان الرشيد قول عبد الملك بن صالح، وقد أهدى إليه باكورة فاكهة في أطباق خيزران: بعثت إلى أمير المؤمنين في أطباق قضبان تحمل من جنايا باكورة بستانه ما راج وأينع. فقال الرشيد لمن حضر: ما أحسن ما كنى عن اسم أمنا!.
ويقال: إن عبد الملك سبق بهذه الكناية، وإن الهادي قال لابن دأب، وفى يده عصا: ما جنس هذه؟ فقال: من أصول القنا - يعنى الخيزران. والخيزران أم ا لهادي والرشيد معا.
وشبيه بذلك ما يقال: إن الحسن بن سهل كان في يده ضغث من أطراف الأراك، فسأله المأمون عنه: ما هذه؟ فقال: (محاسنك) يا أمير المؤمنين، تجنبا لان يقول: (مساويك)، وهذا لطيف.
ومن الكنايات اللطيفة أن عبد الملك بعث الشعبي إلى أخيه عبد العزيز بن مروان وهو أمير مصر يومئذ، لسبر أخلاقه وسياسته، ويعود إليه فيخبره بحاله، فلما عاد سأله فقال: وجدته أحوج الناس إلى بقائك يا أمير المؤمنين، وكان عبد العزيز يضعف.
ومن الألفاظ التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وآله من باب الكنايات قوله صلى الله عليه وآله: (بعثت إلى الأسود والأحمر)، يريد إلى العرب والعجم، فكنى عن العرب بالسود وعن العجم بالحمر، والعرب تسمى العجمي أحمر، لان الشقرة تغلب عليه.