وقد فسر قوم قوله تعالى: ﴿وإذا مروا باللغو مروا كراما﴾ (1) فقالوا: أراد وإذا عبروا عن لفظ يقبح ذكره كنوا عنه، فسمى التعبير عن الشئ مرورا به، وسمى الكناية عنه كرما.
ومن ذلك أن بنت أعرابية صرخت، وقالت: لسعتني العقرب، فقالت أمها: أين؟
فقالت: موضع لا يضع الراقي فيه أنفه، كنت بذلك عن السوأة.
ومن هذا الباب قوله سبحانه: (ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) (2)، قال كثير من المفسرين: هو كناية عن الغائط، لأنه يكون من الطعام، فكنى عنه، إذ هو منه مسبب، كما كنوا عن السمة بالنار فقالوا: ما نار تلك؟ أي ما سمتها؟ ومنه قول الشاعر (3):
قد وسموا آبالهم بالنار (4) * والنار قد تشفى من الأوار (5) وهذا من أبيات المعاني، يقول: هم أهل عز ومنعة، فسقى راعيهم إبلهم بالسمات التي على الإبل، وعلم المزاحمون له في الماء انه لا طاقه لهم بمنازعتهم عليه لعزهم، فكانت السمات سببا لسقيها. والأوار: العطش، فكنى سبحانه بقوله: (يأكلان الطعام) عن إتيان الغائط، لما كان أكل الطعام سببا له، كما كنى الشاعر بالنار عن السمة، لما كانت النار، سبب السمة.