معاوية: يا أبا بحر، ما الشئ الملفف في البجاد؟ فقال: السخينة (١) يا أمير المؤمنين، وإنما كنى معاوية عن رمى بنى تميم بالنهم وحب الاكل، بقول القائل:
إذا ما مات ميت من تميم * فسرك أن يعيش فجئ بزاد بخبز أو بتمر أو بسمن * أو الشئ الملفف في البجاد (٢) تراه يطوف في الآفاق حرصا * ليأكل رأس لقمان بن عاد.
وأراد الشاعر وطب اللبن، فقال الأحنف: (هو السخينة يا أمير المؤمنين)، لان قريشا كانت تعير بأكل السخينة قبل الاسلام، لان أكثر زمانها كان زمان قحط والسخينة ما يسخن بالنار ويذر عليه دقيق، وغلب ذلك على قريش حتى سميت سخينة، قال حسان:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها * وليغلبن مغالب الغلاب (٣) فعبر كل واحد من معاوية والأحنف عما أراده بلفظ غير مستهجن، ولا مستقبح، وعلم كل واحد منهما مراد صاحبه، ولم يفهم الحاضرون ما دار بينهما وهذا من باب التعريض وهو قريب من الكناية.
ومن كنايات الكتاب العزيز أيضا قوله تعالى: (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها)، كنى بذلك عن مناكح النساء.
ومنها قوله تعالى: ﴿نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم﴾ (4)، كنى عن مواقع النسل بمواقع الحرث.