ورماه عروة بن المغيرة بن شعبة بالسهام، وقد كان الحجاج جعله في ثلاثمائة رام من أهل الشام ردءا له كي لا يؤتى من ورائه، فصاح شبيب في أصحابه.
يا أهل الاسلام! إنما شريتم لله، ومن يكن شراؤه لله لم يضره ما أصابه من ألم وأذى (1)، لله أبوكم! الصبر الصبر، شدة كشداتكم الكريمة في مواطنكم المشهورة.
فشدوا شدة عظيمة، فلم يزل أهل الشام عن مراكزهم، فقال شبيب: الأرض!
دبوا دبيبا تحت تراسكم، حتى إذا صارت أسنة أصحاب الحجاج فوقها، فأذلقوها صعدا، وادخلوا تحتها، واضربوا سوقهم وأقدامهم، وهي الهزيمة بإذن الله. فأقبلوا يدبون دبيبا تحت الحجف: صمدا صمدا، نحو أصحاب الحجاج.
فقال خالد بن عتاب بن ورقاء: أيها الأمير، أنا موتور، ولا أتهم في نصيحتي (2)، فأذن لي حتى آتيهم من ورائهم، فأغير على معسكرهم وثقلهم، فقال: افعل ذلك (3)، فخرج في جمع من مواليه وشاكريته (4) وبنى عمه، حتى صار من ورائهم، فالتقى بمصاد أخي شبيب فقتله، وقتل غزالة امرأة شبيب، وألقى النار في معسكرهم، والتفت شبيب والحجاج، فشاهدا النار، فأما الحجاج فكبر وكبر أصحابه، وأما شبيب، فوثب هو وكل راجل من أصحابه على خيولهم مرعوبين، فقال الحجاج لأصحابه: شدوا عليهم، فقد أتاهم ما أرعبهم، فشدوا عليهم، فهزموهم، وتخلف شبيب في خاصة الناس، حتى خرج من الجسر، وتبعه خيل الحجاج، وغشيه النعاس، فجعل يخفق برأسه، والخيل تطلبه.
قال أصغر الخارجي (5): كنت معه ذلك اليوم، فقلت: يا أمير المؤمنين، التفت