في ذنب كل فرس ترسين، ثم ندب ثمانية نفر من أصحابه، وغلاما له يقال له حيان - كان شجاعا فاتكا - وأمره أن يحمل معه إداوة من ماء، ثم سار ليلا حتى أتى ناحية من عسكر أهل الشام، فأمر أصحابه أن يكونوا في نواحي العسكر الأربع، وأن يكون مع كل رجلين فرس: ثم يلبسوها الحديد حتى تجد حره، ثم يخلوها في العسكر، وواعدهم تلعة قريبة من العسكر، وقال: من نجا منكم، فإن موعده التلعة، فكره أصحابه الاقدام على ما أمرهم، فنزل بنفسه حتى صنع بالخيل ما أمرهم به، حتى دخلت في العسكر، ودخل هو يتلوها، ويشد خلفها شدا محكما، فتفرقت في نواحي العسكر، واضطرب الناس، فضرب بعضهم بعضا، وماجوا، ونادى حبيب بن عبد الرحمن: ويحكم إنها مكيدة!
فالزموا الأرض حتى يتبين لكم الامر، ففعلوا، وحصل شبيب بينهم، فلزم الأرض معهم، حتى رآهم قد سكنوا، وقد أصابته ضربة عمود أوهنته.
فلما هدأ الناس ورجعوا إلى مراكزهم خرج في غمارهم، حتى أتى التلعة، فإذا مولاه حيان، فقال: أفرغ ويحك على رأسي من هذه الإداوة! فلما مد رأسه ليصب عليه من الماء هم حيان بضرب عنقه، وقال لنفسه: لا أجد مكرمة لي، ولا ذكرا أرفع من هذا في هذه الخلوة، وهو أماني من الحجاج، فأخذته الرعدة حين هم بما هم به، فلما أبطأ عليه، قال له: ويحك! ما انتظارك بحلها! ناولنيها، وتناول السكين من موزجه (1) فخرقها به، ثم ناوله إياها، فأفرغ عليه من الماء، فكان حيان بعد ذلك يقول: لقد هممت فأخذتني الرعدة فجبنت عنه، وما كنت أعهد نفسي جبانا.
* * * ثم إن الحجاج أخرج الناس إلى شبيب، وقسم فيهم أموالا عظيمة، وأعطى الجرحى وكل ذي بلاء، وأمر سفيان بن الأبرد أن يسير بهم، فشق ذلك على حبيب،