شبيبا بمكانك، فتنكر، وأخفى مكانه، وتشبه به مولى آخر للحجاج في هيئته وزيه، فحمل عليه شبيب، فضربه بالعمود فقتله، ويقال إنه قال لما سقط: (أخ) بالخاء المعجمة فقال شبيب: قاتل الله ابن أم الحجاج! اتقى الموت بالعبيد، وذلك أن العرب تقول عند التأوه (أح) بالحاء المهملة.
ثم تشبه بالحجاج أعين صاحب حمام أعين، ولبس لبسته، فحمل عليه شبيب فقتله، فقال الحجاج: على بالبغل لأركبه، فأتى ببغل محجل، وقيل: أيها الأمير، أصلحك الله! إن الأعاجم كانت تتطير أن تركب مثل هذا البغل في مثل هذا اليوم، فقال: أدنوه منى فإنه أغر محجل، وهذا يوم أغر محجل، فركبه، ثم سار في الناس يمينا وشمالا ثم قال:
اطرحوا لي عباءة، فطرحت له، فنزل فجلس عليها، ثم قال: ائتوني بكرسي، فأتى به، فقام فجلس عليه، ثم نادى أهل الشام، فقال: يا أهل الشام، يا أهل السمع والطاعة، لا يغلبن باطل هؤلاء الأرجاس حقكم، غضوا الابصار، واجثوا على الركب، واستقبلوا القوم بأطراف الأسنة، فجثوا على الركب، وكأنهم حرة سوداء.
ومنذ هذا الوقت ركدت ريح شبيب، وأذن الله تعالى في إدبار أمره، وانقضاء أيامه فأقبل، حتى إذا دنا من أهل الشام عبى أصحابه ثلاثة كراديس، كتيبة معه، وكتيبة مع سويد بن سليم وكتيبة مع المحلل بن وائل، وقال لسويد: احمل عليهم في خيلك، فحمل عليهم فثبتوا له حتى إذا غشى أطراف أسنتهم، وثبوا في وجهه، فقاتلهم طويلا، فصبروا له، ثم طاعنوه، قدما قدما، حتى ألحقوه بأصحابه.
فلما رأى شبيب صبرهم، نادى: يا سويد، احمل في خيلك في هذه الرايات الأخرى، لعلك تزيل أهلها، فتأتي الحجاج من ورائه، ونحمل نحن عليه من أمامه. فحمل سويد على تلك الرايات، وهي بين جدران الكوفة، فرمى بالحجارة من سطوح البيوت، ومن أفواه السكك، فانصرف ولم يظفروا.