فوجد بنى تميم أيقاظا متحارسين، وخرج إليهم الحريش بن هلال، وهو يقول:
وجدتمونا وقرا أنجادا * لا كشفا ميلا ولا أوغادا (1) ثم حمل على الخوارج، فرجعوا عنه، فاتبعهم ثم صاح بهم: إلى أين يا كلاب النار!
فقالوا: إنما أعدت لك ولأصحابك، فقال الحريش: كل مملوك لي حر إن لم تدخلوا النار، ما دخلها مجوسي فيما بين سفوان (2) وخراسان.
ثم قال بعضهم لبعض: نأتى عسكر ابن مخنف، فإنه لا خندق عليه، وقد بعث فرسانهم اليوم مع المهلب، وقد زعموا أنا أهون عليهم من ضرطة جمل. فأتوهم فلم يشعر ابن مخنف وأصحابه، إلا وقد خالطوهم في عسكرهم.
وكان ابن مخنف شريفا، وفيه يقول رجل من بنى عامر لرجل يعاتبه، ويضرب بابن مخنف المثل:
تروح وتغدو كل يوم معظما * كأنك فينا مخنف وابن مخنف فترجل عبد الرحمن تلك الليلة يجالدهم، حتى قتل وقتل معه سبعون رجلا من القراء، فيهم نفر من أصحاب علي بن أبي طالب، ونفر من أصحاب ابن مسعود. وبلغ الخبر المهلب - وجعفر بن عبد الرحمن بن مخنف عند المهلب - فجاءهم مغيثا فقاتل حتى ارتث (3)، ووجه المهلب إليهم ابنه حبيبا، فكشفهم، ثم جاء المهلب حتى صلى على عبد الرحمن بن مخنف وأصحابه، وصار جنده في جند المهلب، فضمهم إلى ابنه حبيب، فعيرهم البصريون، وسموا جعفرا خضفة الجمل.