فلما أتاه الكتاب، بعث إلى عبد الرحمن بن مخنف الأزدي يعقد (1) له، واختار من كل ربع ألفين، فكان على ربع أهل المدينة بشر بن جرير بن عبد الله البجلي، وعلى ربع تميم وهمدان محمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني، وعلى ربع كندة محمد ابن إسحاق بن الأشعث بن قيس الكندي، وعلى ربع مذحج وأسد زحر بن قيس المذحجي، فقدموا على بشر بن مروان، فخلا بعبد الرحمن بن مخنف، وقال له: قد عرفت رأيي فيك، وثقتي بك، فكن عند ظني بك، وانظر إلى هذا المزوني، فخالفه في أمره، وأفسد عليه رأيه.
فخرج عبد الرحمن، وهو يقول: ما أعجب ما طلب (2) منى هذا الغلام! يأمرني أن أصغر شأن (3) شيخ من مشايخ أهلي، وسيد من ساداتهم! فلحق بالمهلب.
فلما أحس الأزارقة بدنو المهلب منهم انكشفوا عن الفرات، فاتبعهم المهلب إلى سوق الأهواز، فنفاهم عنها، ثم اتبعهم إلى رامهرمز فهزمهم عنها، فدخلوا فارس، وأبلى يزيد ابنه في وقائعه هذه بلاء شديدا، تقدم فيه وهو ابن إحدى وعشرين سنة.
فلما صار القوم إلى فارس، وجه إليهم ابنه المغيرة، فقال له عبد الرحمن بن صالح:
أيها الأمير، إنه ليس لك برأي قتل هذه الأكلب، ولئن والله قتلتهم لتقعدن في بيتك، ولكن طاولهم، وكل بهم. فقال: ليس هذا من الوفاء، فلم يلبث برامهرمز الا شهرا، حتى أتاه موت بشر بن مروان.
فاضطرب الجند على ابن مخنف، فوجه إلى إسحاق بن الأشعث وابن زحر فاستحلفهما ألا يبرحا، فحلفا له ولم يفيا، وجعل الجند من أهل الكوفة يتسللون حتى اجتمعوا