قال: فأما قوله: إنه معلوم من حال هذه الاحداث أنها لم تحصل أجمع في الأيام التي حصر فيها وقتل، بل كانت تقع حالا بعد حال، فلو كانت توجب الخلع والبراءة، لما تأخر من المسلمين الانكار عليه، ولكان المقيمون من الصحابة بالمدينة أولى بذلك من الواردين من البلاد، فلا شك أن الاحداث لم تحصل في وقت واحد، إلا أنه غير منكر أن يكون نكيرهم إنما تأخر لأنهم تأولوا ما ورد عليهم من أفعاله على أجمل الوجوه، حتى زاد الامر وتفاقم، وبعد التأويل، و تعذر التخريج، ولم يبق للظن الجميل طريق، فحينئذ أنكروا، وهذا مستمر على ما قدمنا ذكره، من أن العدالة والطريقة الجميلة يتأول لها في الفعل والأفعال القليلة، بحسب ما تقدم من حسن الظن به، ثم ينتهى الامر [بعد ذلك] (1) إلى بعد التأويل، والعمل على الظاهر القبيح.
قال: على أن الوجه الصحيح في هذا الباب أن أهل الحق كانوا معتقدين بخلعه من أول حدث، بل معتقدين أن إمامته لم تثبت وقتا من الأوقات، وإنما منعهم من إظهار ما في نفوسهم ما قدمناه من أسباب الخوف والتقية، لان الاعتذار بالوجل (2) كان عاما، فلما تبين أمره حالا بعد حال، وأعرضت الوجوه عنه، وقل العاذر له، قويت الكلمة في خلعه. وهذا إنما كان في آخر الامر دون أوله، فليس يقتضى الامساك عنه إلى الوقت الذي وقع الكلام فيه نسبة الخطأ إلى الجميع، على ما ظنه.
قال: فأما دفعه بأن تكون الأمة أجمعت على خلعه بخروجه (3) نفسه وخروج من كان في حيزه عن القوم، فليس بشئ، لأنه إذا ثبت أمن عداه وعدا عبيده والرهيط من فجار أهله وفساقهم، كمروان ومن جرى مجراه، كانوا مجمعين على خلعه، فلا شبهة