وقال: هؤلاء والله منا ونحن منهم، لحمنا ودمنا، ولكن آباءهم انتزوا على أمرنا، وابتزوا حقوقنا، وسفكوا دماءنا، ثم تمثل:
مهلا بنى عمنا ظلامتنا * إن بنا سورة من الغلق (1) لمثلكم نحمل السيوف ولا * تغمز أحسابنا من الرقق إني لأنمى إذا انتميت إلى * عز عزيز ومعشر صدق بيض سباط كأن أعينهم * تكحل يوم الهياج بالعلق فقلت له: ما أجود هذه الأبيات وأفحلها! فلمن هي؟ فقال: هذه يقولها ضرار ابن الخطاب الفهري يوم عبر الخندق على رسول الله صلى الله عليه وآله، وتمثل بها علي بن أبي طالب يوم صفين، والحسين يوم الطف، وزيد بن علي يوم السبخة، ويحيى بن زيد يوم الجوزجان، فتطيرت له من تمثله بأبيات لم يتمثل بها أحد إلا قتل. ثم سرنا إلى باخمرى، فلما قرب منها أتاه نعى أخيه محمد، فتغير لونه وجرض بريقه، ثم أجهش باكيا، وقال: اللهم إن كنت تعلم أن محمدا خرج يطلب مرضاتك، ويؤثر أن تكون كلمتك العليا، وأمرك المتبع المطاع، فاغفر له وارحمه، وارض عنه، واجعل ما نقلته إليه من الآخرة خيرا مما نقلته عنه من الدنيا، ثم انفجر باكيا ثم تمثل:
أبا المنازل يا خير الفوارس من * يفجع بمثلك في الدنيا فقد فجعا (2) الله يعلم أنى لو خشيتهم * أوآنس القلب من خوف لهم فزعا لم يقتلوك ولم أسلم أخي لهم * حتى نعيش جميعا، أو نموت معا قال المفضل: فجعلت أعزيه وأعاتبه على ما ظهر من جزعه، فقال: إني والله في هذا، كما قال دريد بن الصمة: