قد رضينا بأمركم وعلينا * بعد ذاك الرضا جلاد ثقيل فامنع القوم ماءكم، ليس للقوم * بقاء وإن يكن فقليل فقال معاوية: أما أنت فندري ما تقول - وهو الرأي - ولكن عمرا لا يدرى. فقال عمرو: خل بينهم وبين الماء، فإن عليا لم يكن ليظمأ وأنت ريان، وفي يده أعنة الخيل، وهو ينظر إلى الفرات حتى يشرب أو يموت، وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق [ومعه أهل العراق وأهل الحجاز] (1)، وقد سمعته أنا مرارا وهو يقول: لو استمكنت من أربعين رجلا (2) يعنى في الأمر الأول!
* * * وروى نصر، قال: (3) لما غلب أهل الشام على الفرات، فرحوا بالغلبة، وقال معاوية: يا أهل الشام، هذا والله أول الظفر، لا سقاني الله ولا أبا سفيان إن شربوا منه أبدا حتى يقتلوا بأجمعهم عليه، وتباشر أهل الشام، فقام إلى معاوية رجل من أهل الشام همداني، ناسك يتأله ويكثر العبادة، يعرف بمعرى بن أقبل، وكان صديقا لعمرو بن العاص وأخا له، فقال: يا معاوية، سبحان الله! لان سبقتم القوم إلى الفرات فغلبتموهم عليه، تمنعوهم الماء! أما والله لو سبقوكم إليه لسقوكم منه. أليس أعظم ما تنالون من القوم أن تمنعوهم الفرات فينزلوا على فرضة أخرى ويجازوكم بما صنعتم! أما تعلمون أن فيهم العبد والأمة والأجير والضعيف، ومن لا ذنب له. وهذا والله أول الجور! لقد شجعت الجبان، ونصرت المرتاب، وحملت من لا يريد قتالك على كتفيك. فأغلظ له معاوية، وقال لعمرو: اكفني صديقك. فأتاه عمرو فأغلظ له، فقال الهمداني في ذلك شعرا:
لعمر أبى معاوية بن حرب وعمرو، ما لدائمها دواء