والصلح تأخذ منه ما رضيت به والحرب يكفيك من أنفاسها جرع (1) ثم قام الحسين بن علي عليه السلام، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: يأهل الكوفة، أنتم الأحبة الكرماء، والشعار دون الدثار، جدوا في إطفاء ما دثر بينكم، وتسهيل (2) ما توعر عليكم. ألا إن الحرب شرها ذريع وطعمها فظيع، فمن أخذ لها أهبتها، واستعد لها عدتها، ولم يألم كلومها قبل حلولها، فذاك صاحبها، ومن عاجلها قبل أوان فرصتها، واستبصار سعيه فيها، فذاك قمن ألا ينفع قومه، وأن يهلك نفسه، نسأل الله بقوته أن يدعمكم بالفيئة (3) ثم نزل.
قال نصر: فأجاب عليا عليه السلام إلى السير جل الناس، إلا أن أصحاب عبد الله بن مسعود أتوه، فيهم عبيدة السلماني وأصحابه، فقالوا له: إنا نخرج معكم، ولا نترك عسكركم ونعسكر على حدة، حتى ننظر في أمركم وأمر أهل الشام، فمن رأيناه أراد ما لا يحل له أو بدا لنا منه بغى كنا عليه. فقال لهم علي عليه السلام: مرحبا وأهلا، هذا هو الفقه في الدين، والعلم بالسنة، من لم يرض بهذا فهو خائن جبار (4).
وأتاه آخرون من أصحاب عبد الله بن مسعود، منهم الربيع بن خثيم، وهم يومئذ أربعمائة رجل، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا قد شككنا في هذا القتال، على معرفتنا بفضلك، ولا غناء بنا ولا بك ولا بالمسلمين عمن يقاتل العدو، فولنا بعض هذه الثغور نكمن (5) ثم نقاتل عن أهله، فوجه علي عليه السلام بالربيع بن خثيم على ثغر الري، فكان أول لواء عقده عليه السلام بالكوفة لواء الربيع بن خثيم.
* * *