وقد بايعت الأمة (1) عليا، ولو ملكنا والله الأمور (2)، لم نختر لها غيره [ومن خالف هذا استعتب] (3) فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس.
فإن قلت: استعملني عثمان ثم لم يعزلني، فإن هذا قول لو جاز لم يقم لله دين، وكان لكل امرئ ما في يديه، ولكن الله جعل للآخر من الولاة حق الأول، وجعل الأمور موطأة ينسخ بعضها بعضا ثم قعد.
قال نصر: فقال معاوية: أنظر وتنظر، وأستطلع رأى أهل الشام.
فمضت أيام، وأمر معاوية مناديا ينادى: الصلاة جامعة! فلما اجتمع الناس صعد المنبر، ثم قال:
الحمد لله الذي جعل الدعائم للاسلام أركانا، والشرائع للايمان برهانا، يتوقد قبسه في الأرض المقدسة، جعلها الله محل الأنبياء والصالحين من عباده، فأحلهم أرض الشام (4)، ورضيهم لها، ورضيها لهم، لما سبق في مكنون علمه من طاعتهم ومناصحتهم خلفاءه، والقوام بأمره، والذابين عن دينه وحرماته، ثم جعلهم لهذه الأمة نظاما، وفي سبيل الخيرات أعلاما، يردع الله بهم الناكثين، ويجمع بهم ألفة المؤمنين، والله نستعين على ما تشعب من أمر المسلمين بعد الالتئام، وتباعد بعد القرب اللهم انصرنا على أقوام يوقظون نائمنا، ويخيفون آمننا، ويريدون إراقة (5) دمائنا، وإخافة سبلنا. وقد علم الله أنا لا نريد لهم (6) عقابا، ولا نهتك لهم حجابا، ولا نوطئهم زلقا، غير أن الله الحميد كسانا