حسين السفيه! أما ترى عليك لوال حقا ولا طاعة! فقال زيد: اسكت أيها القحطاني، فإنا لا نجيب مثلك، فقال الأنصاري: ولم ترغب عنى! فوالله إني لخير منك، وأبى خير من أبيك، وأمي خير من أمك! فتضاحك زيد، وقال: يا معشر قريش، هذا الدين قد ذهب، أفذهبت الأحساب! فتكلم عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فقال: كذبت أيها القحطاني، والله لهو خير منك نفسا وأبا وأما ومحتدا، وتناوله بكلام كثير، وأخذ كفا من الحصا، فضرب به الأرض، وقال: إنه والله ما لنا على هذا من صبر، وقام.
فقام زيد أيضا، وشخص من فوره إلى هشام بن عبد الملك، فجعل هشام لا يأذن له وزيد يرفع إليه القصص، وكلما رفع إليه قصة كتب هشام في أسفلها: ارجع إلى أرضك، فيقول زيد: والله لا أرجع إلى ابن الحارث أبدا. ثم أذن له بعد حبس طويل وهشام في علية له، فرقى زيد إليها، وقد أمر هشام خادما له أن يتبعه حيث لا يراه زيد، ويسمع ما يقول. فصعد زيد - وكان بادنا - فوقف في بعض الدرجة، فسمعه الخادم، وهو يقول: ما أحب الحياة إلا من ذل! فأخبر الخادم هشاما بذلك، فلما قعد زيد بين يدي هشام وحدثه حلف له على شئ، فقال هشام: لا أصدقك، فقال زيد: إن الله لا يرفع أحدا عن أن يرضى بالله، ولم يضع أحدا عن أن يرضى بذلك منه. قال له هشام: إنه بلغني أنك تذكر الخلافة وتتمناها، ولست هناك! لأنك ابن أمة، فقال زيد: إن لك جوابا، قال: تكلم، قال: إنه ليس أحد أولى بالله، ولا أرفع درجة عنده من نبي ابتعثه، وهو إسماعيل بن إبراهيم، وهو ابن أمة، قد اختاره الله لنبوته، وأخرج منه خير البشر، فقال هشام: فما يصنع أخوك البقرة! فغضب زيد، حتى كاد يخرج من إهابه، ثم قال: سماه رسول الله صلى الله عليه وآله الباقر وتسميه أنت البقرة! لشد ما اختلفتما!
لتخالفنه في الآخرة، كما خالفته في الدنيا، فيرد الجنة، وترد النار.