فقال هشام: خذوا بيد هذا الأحمق المائق، فأخرجوه، فأخذ الغلمان بيده فأقاموه، فقال هشام: احملوا هذا الخائن الأهوج إلى عامله، فقال زيد: والله لئن حملتني إليه لا أجتمع أنا وأنت حيين، وليموتن الأعجل منا. فأخرج زيد وأشخص إلى المدينة، ومعه نفر يسيرونه حتى طردوه عن حدود الشام، فلما فارقوه عدل إلى العراق، ودخل الكوفة، وبايع لنفسه، فأعطاه البيعة أكثر أهلها، والعامل عليها وعلى العراق يومئذ يوسف بن عمر الثقفي، فكان بينهما من الحرب ما هو مذكور في كتب التواريخ. وخذل أهل الكوفة زيدا، وتخلف معه ممن تابعه نفر يسير، وأبلى بنفسه بلاء حسنا وجهادا عظيما، حتى أتاه سهم غرب (1)، فأصاب جانب جبهته اليسرى، فثبت في دماغه فحين نزع منه مات عليه السلام.
* * * عنف محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام زيدا لما خرج، وحذره القتل، وقال له: إن أهل العراق خذلوا أباك عليا وحسنا وحسينا عليهم السلام، وإنك مقتول، وإنهم خاذلوك، فلم يثن ذلك عزمه وتمثل.
بكرت تخوفني الحتوف كأنني * أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل (2) فأجبتها إن المنية منهل * لابد أن أسقى بذاك المنهل إن المنية لو تمثل مثلت * مثلي، إذا نزلوا بضيق المنزل (3) فاقني حياءك لا أبالك واعلمي * أنى امرؤ سأموت إن لم أقتل (4) * * *