قيل لأبي مسلم في أيام صباه: نراك تنظر إلى السماء كثيرا كأنك تسترق السمع، أو تنتظر نزول الوحي! قال: لا، ولكن لي همة عالية، ونفس تتطلع إلى معالي الأمور، مع عيش كعيش الهمج والرعاع، وحال متناهية في الاتضاع. قيل: فما الذي يشفى علتك، ويروى غلتك؟ قال: الملك، قيل: فاطلب الملك، قال: إن الملك لا يطلب هكذا.
قيل: فما تصنع وأنت تذوب حسرا (1)، وتموت كمدا؟ قال: سأجعل بعض عقلي جهلا، وأطلب به ما لا يطلب إلا بالجهل، وأحرس بالباقي ما لا يحرس إلا بالعقل، فأعيش بين تدبير ضدين، فإن الخمول أخو العدم، والشهرة أخت الكون.
* * * قال ابن حيوس:
أمواتهم بالذكر كالاحياء * ولحيهم فضل على الاحياء (2) نزلوا على حكم المروءة وامتطوا * بالبأس ظهر العزة القعساء والعز لا يبقى لغير معود * أن يكشف الغماء بالغماء لا تحسب الضراء ضراء إذا * أفضت بصاحبها إلى السراء وقال:
وهي الرياسة لا تبوح بسرها * إلا لأروع لا يباح ذماره (3) يحمى حماه قلبه ولسانه * وتذود عنه يمينه ويساره لا العذل ناهيه، ولا الحرص الذي * أمر النفوس بشحها أماره فليعلم الساعي ليبلغ ذا المدى * أن الطريق كثيرة أخطاره * * *