شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٣ - الصفحة ٢٨٢
نفسك، وأهلكت من قتل معك، وإن كنت قاتلت على الحق، فما وهن أصحابك إلا ضعفت، فليس هذا فعل الأحرار ولا أهل الدين. وكم خلودك في الدنيا!
القتل أحسن.
فدنا عبد الله منها فقبل رأسها، وقال: هذا والله رأيي، والله ما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله تعالى عز وجل أن تستحل محارمه، ولكنني أحببت أن أعلم رأيك، فقد زدتني بصيرة، فانظري يا أماه، إني مقتول يومى هذا، فلا يشتد جزعك، وسلمى لأمر الله، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر، ولا عملا بفاحشة، ولم يجر في حكم الله، ولم يظلم مسلما ولا معاهدا، ولا بلغني ظلم عن عامل من عمالي فرضيت به بل أنكرته، ولم يكن شئ عندي آثر من رضا الله.
اللهم إني لا أقول هذا تزكية لنفسي، أنت أعلم بي، ولكني أقوله تعزية لأمي لتسلو عنى.
فقالت: إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن تقدمتني، فأخرج لأنظر إلى ماذا يصير أمرك! فقال: جزاك الله خيرا يا أمي! فلا تدعى الدعاء لي حيا وميتا.
قالت: لا أدعه أبدا، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق، ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب في الظلماء، وذلك الصوم في هواجر مكة والمدينة، وبره بأبيه وبي، اللهم إني قد أسلمت لأمرك، ورضيت بما قضيت فيه، فأثبني عليه ثواب الصابرين.
وقد روى في قصة عبد الله مع أمه أسماء رواية أخرى، أنه لما دخل عليها وعليه الدرع والمغفر - وهي عمياء لا تبصر - وقف فسلم، ثم دنا فتناول يدها فقبلها، قالت: هذا وداع فلا تبعد، فقال: نعم، إنما جئت مودعا، إني لأرى هذا اليوم آخر أيامي من الدنيا، واعلمي يا أمي أنى إذا قتلت فإنما أنا لحم لا يضرني ما صنع بي، فقالت: صدقت يا بنى!
أقم على بصيرتك، ولا تمكن ابن أبي عقيل منك، ادن منى لأودعك، فدنا منها فقبلته
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 بقية رد المرتضى على ما أرده القاضي عبد الجبار من الدفاع عن عثمان 4
2 ذكر المطاعن التي طعن بها على عثمان والرد عليها 11
3 بيعة جرير بن عبد الله البجلي لعلي 70
4 بيعة الأشعث لعلي 73
5 دعوة علي معاوية إلى البيعة والطاعة ورد معاوية عليه 74
6 أخبار متفرقة 91
7 مفارقة جرير بن عبد الله البجلي لمعاوية 115
8 نسب جرير وبعض أخباره 117
9 44 - ومن كلام له عليه السلام لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية 119
10 نسب بنى ناجية 120
11 نسب علي بن الجهم وطائفة من أخباره وشعره 122
12 نسب مصقلة بن هبيرة 127
13 خبر بني ناجية مع علي 127
14 قصة الخريت بن راشد الناجي وخروجه على علي 128
15 45 - من خطبة له عليه السلام في الزهد وتعظيم الله وتصغير أمر الدنيا 152
16 فصل بلاغي في الموازنة والسجع 153
17 نبذ من كلام الحكماء في مدح القناعة وذم الطمع 154
18 46 - من كلام له عليه السلام عن عزمه على المسير إلى الشام 165
19 أدعية على عند خروجه من الكوفة لحرب معاوية 166
20 كلام علي حين نزل بكربلاء 169
21 كلامه لأصحابه وكتبه إلى عماله 171
22 كتاب محمد بن أبي بكر إلى معاوية وجوابه عليه 188
23 47 - من كلام له عليه السلام في ذكر الكوفة \ 197
24 فصل في ذكر فضل الكوفة 198
25 48 - من خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام 200
26 أخبار علي في جيشه وهو في طريقه إلى صفين 202
27 49 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه وتمجيده 216
28 فصول في العلم الإلهي: 217
29 الفصل الأول وهو الكلام على كونه تعالى عالما بالأمور الخفية 218
30 الفصل الثاني في تفسير قوله عليه السلام: " ودلت عليه أعلام الظهور " 221
31 الفصل الثالث في أن هويته تعالى غير هوية البشر 222
32 الفصل الرابع في نفي التشبيه عنه تعالى 223
33 الفصل الخامس في بيان أن الجاحد له مكابر بلسانه ومثبت له بقلبه 238
34 50 - من خطبة له عليه السلام يصف وقوع الفتن 240
35 51 - من كلام له عليه السلام لما غلب أصحاب معاوية أصحابه عليه السلام على شريعة الفرات بصفين ومنعوهم من الماء 244
36 الأشعار الواردة في الإباء والأنف من احتمال الضيم 245
37 أباة الضيم وأخباره 249
38 غلبة معاوية على الماء بصفين ثم غلبة علي عليه بعد ذلك 312
39 52 - من خطبة له في وصف الدنيا ما قيل من الأشعار في ذم الدنيا 335