نفسك، وأهلكت من قتل معك، وإن كنت قاتلت على الحق، فما وهن أصحابك إلا ضعفت، فليس هذا فعل الأحرار ولا أهل الدين. وكم خلودك في الدنيا!
القتل أحسن.
فدنا عبد الله منها فقبل رأسها، وقال: هذا والله رأيي، والله ما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله تعالى عز وجل أن تستحل محارمه، ولكنني أحببت أن أعلم رأيك، فقد زدتني بصيرة، فانظري يا أماه، إني مقتول يومى هذا، فلا يشتد جزعك، وسلمى لأمر الله، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر، ولا عملا بفاحشة، ولم يجر في حكم الله، ولم يظلم مسلما ولا معاهدا، ولا بلغني ظلم عن عامل من عمالي فرضيت به بل أنكرته، ولم يكن شئ عندي آثر من رضا الله.
اللهم إني لا أقول هذا تزكية لنفسي، أنت أعلم بي، ولكني أقوله تعزية لأمي لتسلو عنى.
فقالت: إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن تقدمتني، فأخرج لأنظر إلى ماذا يصير أمرك! فقال: جزاك الله خيرا يا أمي! فلا تدعى الدعاء لي حيا وميتا.
قالت: لا أدعه أبدا، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق، ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب في الظلماء، وذلك الصوم في هواجر مكة والمدينة، وبره بأبيه وبي، اللهم إني قد أسلمت لأمرك، ورضيت بما قضيت فيه، فأثبني عليه ثواب الصابرين.
وقد روى في قصة عبد الله مع أمه أسماء رواية أخرى، أنه لما دخل عليها وعليه الدرع والمغفر - وهي عمياء لا تبصر - وقف فسلم، ثم دنا فتناول يدها فقبلها، قالت: هذا وداع فلا تبعد، فقال: نعم، إنما جئت مودعا، إني لأرى هذا اليوم آخر أيامي من الدنيا، واعلمي يا أمي أنى إذا قتلت فإنما أنا لحم لا يضرني ما صنع بي، فقالت: صدقت يا بنى!
أقم على بصيرتك، ولا تمكن ابن أبي عقيل منك، ادن منى لأودعك، فدنا منها فقبلته