وأبكاهما والله للعين فاعلمي * إذا ازددت مثليها فصرت على شهر وأنكى لقلبي منهما اليوم أنني * أخاف بألا نلتقي آخر الدهر ثم أرسل إليها وأشخصها، فشهدت معه حرب عبد الملك، فدخل عليها يوم قتل، وقد نزع ثيابه ثم لبس غلالة، وتوشح بثوب واحد، وهو محتضن سيفه، فعلمت أنه غير راجع، فصاحت: وا حزناه عليك يا مصعب! فالتفت إليها، وقال: إن كل هذا في قلبك! قالت: وما أخفى أكثر. قال: لو كنت أعلم هذا لكان لي ولك شأن، ثم خرج فلم يرجع.
فقال عبد الملك يوما لجلسائه: من أشجع الناس؟ فقالوا: قطري، شبيب، فلان وفلان، قال عبد الملك: بل رجل جمع بين سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة، وأمة الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز، وقلابة ابنة زبان بن أنيف الكلبي سيد العرب، وولى العراقين خمس سنين، فأصاب كذا وكذا ألف درهم، وأعطى الأمان على ذلك كله وعلى ولايته وماله فأبى، ومشى بسيفه إلى الموت حتى قتل، ذاك مصعب بن الزبير، لا من قطع الجسور مرة هاهنا ومرة هاهنا!
سئل سالم بن عبد الله بن، عمر أي ابني الزبير أشجع؟ فقال: كلاهما جاءه الموت، وهو ينظر إليه لما وضع رأس مصعب بين يدي عبد الملك أنشد:
لقد أردى الفوارس يوم حسي * غلاما غير مناع المتاع (1) ولا فرح بخير إن أتاه * ولا هلع من الحدثان لاع ولا وقافة والخيل تردى * ولا خال كأنبوب اليراع