عاد إلى سريره فجلس، وقال: دعوه، فإن هذا أمر يراد. وجاء حيان النبطي - وهو يومئذ أمير الموالي، وعدتهم سبعة آلاف، كان واجدا على قتيبة - فقال له عبد الله بن مسلم أخو قتيبة: احمل يا حيان، فقال: لم يأن بعد، فقال له: ناولني قوسك، فقال حيان:
ليس هذا بيوم قوس. ثم قال حيان لابنه: إذ رأيتني قد حولت قلنسوتي، ومضيت نحو عسكر وكيع فمل بمن معك من العجم إلى، فلما حول حيان قلنسوته ومضى نحو عسكر وكيع، مالت الموالي معه بأسرها، فبعث قتيبة أخاه صالح بن مسلم إلى الناس، فرماه رجل من بنى ضبة فأصاب رأسه، فحمل إلى قتيبة ورأسه مائل، فوضعه على مصلاه، وجلس عند رأسه ساعة، وتهايج الناس، وأقبل عبد الرحمن بن مسلم أخو قتيبة نحوهم، فرماه الغوغاء وأهل السوق فقتلوه، وأشير على قتيبة بالانصراف، فقال: الموت أهون من الفرار. وأحرق وكيع موضعا كانت فيه إبل قتيبة ودوابه، وزحف بمن معه حتى دنا منه، فقاتل دونه رجل من أهله قتالا شديدا، فقال له قتيبة: انج بنفسك، فإن مثلك يضن به عن القتل، قال: بئسما جزيتك به أيها الأمير إذا، وقد أطعمتني الجردق، وألبستني النمرق (1). وتقدم الناس حتى بلغوا فسطاط قتيبة، فأشار عليه نصحاؤه بالهرب، فقال:
إذا لست لمسلم بن عمرو! ثم خرج إليهم بسيفه يجالدهم، فجرح جراحات كثيرة، حتى ارتث (2) وسقط، فأكبوا عليه، فاحتزوا رأسه، وقتل معه من إخوته عبد الرحمن، وعبد الله وصالح، والحصين، وعبد الكريم، ومسلم، وقتل معه جماعة من أهله وعدة من قتل معه من أهله وإخوته أحد عشر رجلا. وصعد وكيع بن أبي سود المنبر وأنشد:
* من ينك العير ينك نياكا * (3)