شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٣ - الصفحة ١٤٤
أهل. رحمك الله يا أمير المؤمنين، وعليك الصلاة والسلام، وأوجب لك جنات النعيم. والسلام.
قال: ثم أقبل بالأسارى حتى مر على مصقلة بن هبيرة الشيباني، وهو عامل لعلى عليه السلام على أردشير خرة (1) وهم خمسمائة إنسان، فبكى إليه النساء والصبيان، وتصايح الرجال: يا أبا الفضل، يا حامل الثقل (2)، يا مؤوي الضعيف، وفكاك العصاة، امنن علينا فاشترنا وأعتقنا. فقال مصقلة: أقسم بالله لأتصدقن عليهم، إن الله يجزى المتصدقين. فبلغ قوله معقل بن قيس، فقال: والله لو أعلمه قالها توجعا لهم وإزراء على لضربت عنقه، وإن كان في ذلك فناء بنى تميم وبكر بن وائل.
ثم إن مصقلة بعث ذهل بن الحارث الذهلي إلى معقل، فقال: بعني نصارى ناجية، فقال: أبيعكهم بألف ألف درهم، فأبى عليه، فلم يزل يراوده حتى باعه إياهم بخمسمائة ألف درهم، ودفعهم إليه، وقال: عجل بالمال إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فقال مصقلة: أنا باعث الان بصدر منه، ثم أتبعك بصدر آخر، ثم كذلك حتى لا يبقى منه شئ. وأقبل معقل إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فأخبره بما كان من الامر، فقال له: أحسنت وأصبت ووفقت.
وانتظر علي عليه السلام مصقلة أن يبعث بالمال، فأبطأ به. وبلغ عليا عليه السلام أن مصقلة خلى الأسارى ولم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشئ، فقال:
ما أرى مصقلة إلا قد حمل حمالة، ولا أراكم إلا سترونه عن قريب مبلدحا (3)، ثم كتب إليه:

(1) أردشير خرة، بالفتح ثم السكون وفتح الدال المهملة وكسر الشين المعجمة وياء ساكنة وراء، وخاء معجمة مضمومة، وراء مفتوحة مشددة وهاء: من كور فارس (مراصد الاطلاع).
(2) الثقل. متاع الانسان وحشمه.
(3) المبلدح: الملقى على الأرض من الضرب.
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»
الفهرست