شدوا أيديكم على صدقاتكم، ثم صلوا بها أرحامكم، وعودوا إن شئتم على فقرائكم، فأرضي كل طائفة بضرب من القول، وكان فيهم نصارى كثير، وقد كانوا أسلموا، فلما رأوا ذلك الاختلاف، قالوا: والله لديننا الذي خرجنا منه خير وأهدى من دين هؤلاء الذين لا ينهاهم دينهم عن سفك الدماء، وإخافة السبل، فرجعوا إلى دينهم.
فلقى الخريت أولئك، فقال: ويحكم! إنه لا ينجيكم من القتل إلا الصبر لهؤلاء القوم ولقتالهم، أتدرون ما حكم على فيمن أسلم من النصارى ثم رجع إلى النصرانية؟ لا والله لا يسمع له قولا، ولا يرى له عذرا، ولا يقبل منه توبة، ولا يدعوه إليها، وإن حكمه فيه أن يضرب عنقه ساعة يستمكن منه، فما زال حتى خدعهم وجاءهم من كان من بنى ناجية في تلك الناحية ومن غيرهم، فاجتمع إليه ناس كثير، وكان منكرا داهيا.
قال: فلما رجع معقل، قرأ على أصحابه كتابا من علي عليه السلام فيه:
من عبد الله على أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا، من المسلمين والمؤمنين والمارقين والنصارى والمرتدين. سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وكتابه، والبعث بعد الموت وافيا بعهد الله، ولم يكن من الخائنين، أما بعد فإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، وأن أعمل فيكم بالحق وبما أمر الله تعالى في كتابه، فمن رجع منكم إلى رحله وكف يده، واعتزل هذا المارق (1) الهالك المحارب (2)، الذي حارب الله ورسوله والمسلمين، وسعى في الأرض فسادا، فله الأمان على ماله ودمه. ومن تابعه على حربنا والخروج من طاعتنا، استعنا بالله عليه، وجعلناه بيننا وبينه، وكفى بالله وليا. والسلام.
قال: فأخرج معقل راية أمان فنصبها، وقال: من أتاها من الناس فهو آمن إلا الخريت وأصحابه الذين نابذوا أول مرة، فتفرق عن الخريت كل من كان معه من غير قومه، وعبأ معقل بن قيس أصحابه، ثم زحف بهم نحوه، وقد حضر مع الخريت جميع