يومك لغد; ولا تكلف نفسك ما لا طاقة لها به; وأكثر ذكر الموت، فإن ذكره يكثر القليل ويقلل الكثير; وعليك بتقوى الله تعالى وطاعته واجتناب معاصيه. ثم رفع يديه وطأطأ رأسه ودمعت عيناه، وقال: يا من رفع السماء بقوته، ودحا الأرض بمشيئته، وخلق الخلائق بإرادته، واستوى على العرش بقدرته. يا مالك الملك، وجبار الجبابرة، وإله العالمين، ومالك يوم الدين! أسألك برحمتك وجودك وقدرتك أن تخرج حب الدنيا من قلب عبدك عبد الله علي، وتوفقه لطاعتك من الأعمال التي تقر به إلى مرضاتك وتجنبه معاصيك وتختم لنا وله برضوانك أنه وعفوك، يا أرحم الراحمين! قال: فدمعت عينا علي وبكى فأكثر. ثم قال للحمال: لو قبلت منا شيئا! قال: لا أريده، وحاجتي أن تعجل سراحي. فأمره بالخروج، فخرج الحمال; وانصرف الأمير إلى موضعه وهو متفكر قد ذهب نشاطه. ثم التفت إلى ندمائه، فقال: يا قوم! لو شهدتم طعام أمير المؤمنين ورأيتم ما يرفع ويوضع من صنوف الأطعمة. ثم جعل يصف ذلك الطعام، ثم قال: لو رأيتم الطعام الذي يخبز قد تنوق في بياضه وجودته وطحنه، ثم ينخل بالشعر ثم ينخل بالكرابيس ثم ينخل بالحرير حتى يبقى مخه فقط توقد ناره بالقصب، فإذا سكن وهجه وهو بخر التنور بالعود القماري وخبز بصنوف الطعام; - ثم وصف ما يتخذ له من صنوف الألوان من الحار والبارد والرطب واليابس والحلو وغير ذلك - وهذا الحمال طعامه ما قد رأيتم ومائدته طبق من سعف النخل. ثم طأطأ
(١٧٨)