فعانقته وقبلت بين عينيه، وقلت: بأبي أنت أبو القاسم! ما القصة؟
فأخبرني قال: استر أمري فلا أحب - رحمك الله - أن أعرف وأعلم; إن المولى المنعم المتفضل المحسن أنبهني من غفلتي وبصرني بعيب نفسي، فتركت جميع ما كنت فيه مما رأيت، وأقبلت إلى ربي; فهل تراه يقبلني؟ فإني خائف أن يكون قد صرف وجهه عني، قال: فأبكاني كلامه، وقلت: حبيبي! أبشر فقد بلغني أنه ما من شئ أحب إلى الله تبارك وتعالى من شاب تائب. فلما أن سمعها أراد أن يضبط نفسه من البكاء، وخاف أن يجتمعوا عليه إذا سمعوا بكاءه. فقام وهو يقول:
أيها الطبيب! اتبعني. فتبعته حتى خرج من باب الحناطين وهو يمشي ويلتفت إلي، وقد أمسك على بطنه، حتى انتهى إلى باب. ثم دخل وأدخلني معه وأصعدني غرفة وقعد، وقال: ما زلت متشوقا إلى لقائك لتداوي قرحي بمرهم كلامك. فقلت له: يا أبا القاسم! قد أسعدك بلطفه إله العالمين فأنبهك من رقدة الغافلين; فأشكره على توفيقه إياك وكن من الشاكرين، وبما أنعم عليك فكن من الحامدين، فإن الله تعالى معوضك ذلك برحمته أفضل مما تركت له من مخافته. أبا القاسم! اجعل الموت نصب عينيك، واعلم أن بين يديك عقبة عليها المسلك غدا لا يقطعها إلا الورعون عن محارم الله تعالى، وقناطر لا يجوزها إلا المخفون من المظالم، يتردى منها في نار * (أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت