فبتنا وأعلمنا الناس. فلما أصبحنا رجعنا إلى القصر، وإذا الناس مقبلون من كل وجه إلى الجنازة كأنما نودي في " البصرة "، حتى خرج القضاة والعدول وغيرهم. وإذا الجندي يمشي خلف الجنازة حافيا حاسرا حتى دفن، فلما هم الناس بالانصراف قال الجندي للقاضي والشهود: اشهدوا أن كل جارية لي حرة لوجه الله تعالى، وكل ضياعي وعقاري حبيس في سبيل الله، ولي في صندوق أربعة آلاف دينار، وهي في سبيل الله. ثم نزع الثوب الذي كان عليه فرمى به وبقي في سراويله.
فقال القاضي: عندي مئزران من وجههما، تقبلهما؟ فقال: شأنك، فأخذهما فاتزر بواحد، واتشح بالآخر، وهام على وجهه. فكان بكاء الناس عليه أكثر منه على الميت 98 - [توبة رجل من أعوان السلطان عن الفواحش] وحكي عن مالك بن دينار، قال: كان لي جار يتعاطى الفواحش، فأتى إلي الجيران يشكون منه. فأحضرناه وقلنا له: إن الجيران يشكونك، فسبيلك أن تخرج من المحلة. فقال: أنا في منزلي، لا أخرج.
قلنا: تبيع دارك! قال: لا أبيع ملكي. قلنا: نشكوك إلى السلطان.
قال: أنا من أعوانه. قلنا: ندعو الله عليك. قال: الله أرحم بي منكم.
قال: فلما أمسينا قمت وصليت ودعوت عليه، فهتف بي هاتف:
لا تدع عليه فإنه من أولياء الله تعالى، فجئت إلى باب داره ودققت