خماصا جياعا حفاة عراة، فلم تأكل الأرض منهم شحما ولا لحما، بليت الجلود على العظام والعروق. ثم أخرج ساعدا كأنه قضيب فضة مستديرة شحما ولحما، فقال: إن هذا الساعد مع هذا البدن ربي بالأطعمة والأشربة التي وصفت لكم من الطعام والشراب ليبلى في التراب كما يبلى ساعد الحمال. ثم أرسل عينيه فبكى فأكثر البكاء ونحن قيام على رأسه. ثم قال: يا غلام! ارفع هذه الآلة قبحها الله فما أموتها للقلوب وأضرها وأذلها. فرفعت وصرف الندماء والخدم والغلمان وبقي وحده متفكرا لا يأذن لأحد عليه; حتى إذا مضى بعض الليل، ناداني: يا شاكر! قلت: لبيك أيها الأمير! قال: دونك الخزائن فاحفظها مع جميع ما في الدار، فإني منطلق إلى سيدي، وأنا أظن أنه يعني بسيده أباه. فخرج علي وعليه إزار قد أخذه على رأسه، ونعل طاق قد وضعها في رجله، وقال: لا يتبعني منكم أحد بشمع. فخرج ومعه غلام صغير، وتخلف عنه الخدم والغلمان. فلما أصبحنا افتقدنا الغلام إلى ارتفاع النهار. فجاء الغلام فسألته عنه، فقال: لم يدخل دار أمير المؤمنين ولكنه أخذ نحو الدجلة، وقال لي: قف موضعك هذا، لا تبرح. فلا أدري أين ذهب، إلا أنه دنا من ملاح فناوله دنانير، وقال:
لي حاجة مهمة ب " واسط " فتعجل بي، وهو لا يعرفه، فأدخله الزورق ومضى به إلى " واسط ". ثم لم يقم ب " واسط " حتى خرج إلى " البصرة " وتنكر ولبس الخشن على ذلك الجلد النقي; واشترى طبقا كهيئة ما رأى من زي الحمال، وجعل الطبق على عاتقه، يعمل على مقدار قوته;