رأسه وجعل ينكت بأصبعه على الحصير ساعة. ثم قال: يا غلام!
إئت منيبا خازن الكتب فمره يخرج لي سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فأتاه به، فجعل ينظر فيه، فقال: اسمعوا ما كان طعام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: عراق لحم الإبل مطبوخ بماء وملح، وأقراص من شعير غير منخول. فقيل له: يا أمير المؤمنين! لو أكلت غير هذا الطعام فقد وسع الله على المسلمين! فقال: هاه! إن الله تبارك وتعالى عير قوما بأكلهم بقوله: * (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا) * [الأحقاف: 20]. فجعل يصف لهم سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتدمع عيناه. فلما فرغ قال: يا غلام! قل لمنيب يخرج لي سيرة عمر بن عبد العزيز. فأخرج إليه، فجعل ينظر فيه ويصف لندمائه. ثم قال: أبعد الله بطنا يعقب صاحبه ندما يوم الحسرة في عرصة القيامة; هذا عبد الله بن عمر، زين أبناء الصحابة، اشتهى عنبا فلم يذقه; هذا سعيد بن المسيب زين التابعين يقول: ليت أن الله جعل رزقي في مص حصاة، فقد استحييت من كثرة الاختلاف إلى الحش; هذا الربيع بن خيثم اشتهى خبيصا; فلم يذقه هذا مالك بن دينار، هذا فلان، هذا فلان. فجعل يذكر وتدمع عيناه، ثم قال: ترى القوم لم يشتهوا طيب الطعام؟! ولكنهم زهدوا عن الفاني للباقي، وباعوا القليل بالكثير، وصبروا في دنياهم فنالوا الذي طلبوا; خرجوا من الدنيا