إنك لا تدري بمن تولع من هرمك! أيها الانسان! مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا، فإنك قد حبستها عنا وليس ذلك لك، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك، وقد أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين وتقريض المجرمين.
قال: فقام معه أكثر من ثلثي الناس يقولون: صدق والله حجر وبر، مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا، فإنا لا ننتفع بقولك هذا، ولا يجدي علينا شيئا.
وأكثروا في مثل هذا القول ونحوه. فنزل المغيرة واستأذن عليه قومه فأذن لهم، فقالوا: علام تترك هذا الرجل يقول هذه المقالة، ويجترئ عليك في سلطانك هذه الجرأة؟! إنك تجمع على نفسك بهذا خصلتين:
أما أولهما (*) فتهوين سلطانك!، وأما الأخرى: فإن ذلك إن بلغ معاوية كان أسخط له عليك.
قال: فقال لهم المغيرة بن شعبة:
إني قد قتلته، إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه يصنع بي، فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شر قتلة، إنه قد اقترب أجلي وضعف عملي، ولا أحب أن ابتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم، فيسعدوا بذلك وأشقى، ويعز في الدنيا معاوية، ويذل يوم القيامة المغيرة، ولكني قابل من محسنهم وعاف عن مسيئهم، وحامد حليمهم وواعظ سفيههم حتى يفرق بيني وبينهم الموت، وسيذكرونني لو قد جربوا العمال بعدي.
روى الطبري وقال: