الأساسي للحياة العقلية للإنسان بمدى فاعلية القوة العاقلة لديه بما تعنيه من وازع أخلاقي. وهذا واحد من الغايات الأساسية الكامنة وراء بعثة الأنبياء. وهذا ما أشار إليه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عند بيانه للحكمة من وراء بعثة الأنبياء في قوله:
" ويثيروا لهم دفائن العقول " (1).
إن الانسان قادر بطبيعته على تفعيل فكره لكشف أسرار الطبيعة، غير أن إحياء العقل لمعرفة الكمال المطلق والتخطيط في سبيل الانطلاق على مسار الغاية العليا للإنسانية لا يتيسر إلا للأنبياء.
وكل ما ورد في الكتاب والسنة عن العقل والجهل وعن صفات العقل وخصائصه وآثاره وأحكامه إنما يختص بهذا المعنى من معاني العقل.
وحينما يبلغ الانسان أسمى مراتب الحياة العقلية في ضوء تعاليم الأنبياء، تتبلور لديه معرفة وبصيرة لا يجد الخطأ إليها سبيلا، وتبقى ملازمة له إلى حين بلوغه ذروة الكمال الإنساني. وفي هذا المعنى قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
" قد أحيا عقله، وأمات نفسه، حتى دق جليله، ولطف غليظه، وبرق له لامع كثير البرق، فأبان له الطريق، وسلك به السبيل، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ومنزل الإقامة، وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة بما استعمل قلبه وأرضى ربه " (2).
وبناء على هذا، وانطلاقا من التعريف الذي أوردناه في كتاب " العلم والحكمة في الكتاب والسنة " في معنى العلم الحقيقي والحكمة الحقيقية، يتضح لدينا أن النصوص الإسلامية طرحت ثلاث مفردات هي: العلم والحكمة والعقل، للتعبير عن قوة نورانية باطنية بناءة في وجود الانسان. وهذه القوة تسمى ب " نور العلم " من حيث إنها تقود الانسان إلى التكامل المادي والمعنوي، وتسمى ب " الحكمة الحقيقية "